Back Home (To the main page)

Souvenirs and books from Lebanon
 

Sections

About us

Contact us

 
 
SearchFAQMemberlistUsergroupsLog in
Seven doors of the old Beirut

 

 
Reply to topic     discoverlebanon.com Forum Index » لبنان ... باللغة العربية
  View previous topic
View next topic
Seven doors of the old Beirut
Author Message
admin
Site Admin


Joined: 09 Mar 2007
Posts: 529
Location: Jbeil Byblos

Post Seven doors of the old Beirut Reply with quote
بيروت وراء أبوابها السبعة - من كتاب الشيخ طه الولي - بيروت في التاريخ و الحضارة و العمران

في الأزمنة الغابرة وحتى أواسط القرن الماضي لم تكن مدينة بيروت تغطي هذه المساحة الواسعة من الأرض التي تشغلها اليوم، بل ان هذه المدينة كانت الى ما قبل القرن ونصف القرن من أيامنا، عبارة عن مجموعة من المساكن المتلاصقة المحشورة في رقعة ضيقة من الأرض طولها لا يزيد عن سبعمائة وخمسين مترا ً وعرضها حوالى ثلاثمائة وسبعين مترا ً، يحيط بها من جهاتها الأربع سور من الحجارة الرملية المدعومة بأنقاض الأعمدة المتخلفة عن حطام الآثار الرومانية والبيزنطية القديمة، وتتخلل هذا السور الذي بناه أحمد باشا الجزار في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد بضعة أبراج ذات أبواب مصفحة بقطع من الحديد المثبت على الأبواب بمسامير ضخمة ناتئة.

كان هذا السور يمتد من الجهة الشمالية لساحة رياض الصلح الحالية ويسير شرقا ً حتى كنيسة مار جرجس المارونية التي كانت تقع عند بنائها في ظاهر السور. ثم ان السور يمتد بعد ذلك الى سوق أبو النصر الذي كان هو الآخر يقع خارج السور، الى أن يصل، أي السور، الى بناية دعبول تجاه جامع السراية المعروف اليوم باسم جامع الأمير منصور عساف (التركماني من آل عساف)، ثم ينحدر شمالا ً الى آخر شارع فوش الحالي عند الطرف الغربي لمنطقة المرفأ، ومن هناك يأخذ هذا السور سبيله غربا ً حتى مقبرة السنطية التي كانت خارج المدينة وسورها، ثم يعود فيرتفع مع الشارع الممتد حاليا ً باتجاه باب ادريس ثم صعودا ً الى الكاتدرائية المعروفة باسم "الكبوشية" التي كانت أيضا ً خارج السور، ثم يلتقي أخيرا ً مع البداية التي انطلق منها في شمالي ساحة رياض الصلح التي كانت تعرف من قبل باسم "ساحة السور" أو كما يسميها عامة الناس "عصور" أي "على السور".

ويتبين مما تركه السياح الأجانب من كتابات وفي وصف بيروت آنذاك أن هذه المدينة كانت تعرف عندهم باسم "المدينة المربعة": مساكنها أشبه بأكواخ ترتفع في وسطها الى عنان السماء ثلاث منائر (أي مآذن) على شكل شوكة مثلثة الأسنة.

يقول الكونت دومنيل دو بويسون في مقال نشرته له مجلة (Syria) سنة 1921 ".. كان قياس تلك المدينة من أرصفة مرفئها القديم الى باب الدركة الجنوبي (رأس المعرض اليوم) يبلغ 750 مترا ً فقط. أما قياس امتدادها من بابها الشرقي، أي باب السراية الى بابها الغربي، أي باب ادريس، فما كان يزيد على 370 مترا ً. وكان الغالب عليها أسواقها التي في النهار كانت تموج في وسطها وعند أبوابها بحركة البائعين والتجار ثم تعود الى هدوئها ليلا ً بعد أن تقفل أبوابها وتودع مفاتيحها عند واليها. أما خارج المدينة فكنت ترى بعض البساتين والمقابر غير المنتظمة ولا سيما كثبان الرمل التي تخترقها منابت الصبير.. هذا ما يلوح من صورة بيروت التي رسمها مسيو مونفور (Monfort) في 2 تشرين الأول سنة 1837م".

أبواب "بيروت القديمة"

المؤرخون المسلمون القدماء مثل ابن حوقل والمقدسي عندما تحدثوا عن بيروت وصفوها بقولهم: ان بيروت مدينة محصنة عتيقة السور" والذي يبدو أن هذه المدينة لم يكن لها أهمية عسكرية استثنائية في أيام ازدهار العهد العثماني، ولم يكن ولاتها من قبل اسطمبول يهتمون بالعناية بسورها وما فيها من أبراج وحصون، الا أنه في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي تغير الوضع بالنسبة لهذه المدينة عندما طمع بها أحمد باشا الجزار واستطاع انتزاع حكمها من يد سيده السابق الأمير يوسف الشهابي الذي كان يبسط سلطانه عليها وعلى جبل لبنان الذي كان يعرف آنذاك باسم "جبل الدروز" لغلبة أبناء الطائفة الدرزية فيه.

وعندما أصبحت بيروت خالصة لأحمد باشا الجزار جدد هذا الوالي عمائرها العسكرية وأنشأ فيها السور، وبالغ في تحصين هذا السور، وأقام على محيطه أبوابا ً ضخمة كانت تفتح للداخلين الى المدينة والخارجين منها ما بين شروق الشمس عند الصباح وغروبها في المساء، ويقوم على حراستها أشخاص موكلون بها سائر النهار والليل، ولم يكن يسمح لأحد بدخولها بعد اغلاقها الا اذا تأكد الحراس من شخصيته وهويته وسلامة نيته. من ذلك أن حارس الباب يسأل القادم عليه: من أنت؟ فاذا سمع ما يطمئنه خاطبه قائلا ً: اذن وحد الله، فيرفع القادم صوته بشهادة التوحيد عند المسلمين وهي"لا اله الا الله". وعندئذ يفتح الحارس باب السور ويسمح للقادم الى المدينة بدخولها.

ولقد تحدث الشيخ عبد القادر القباني رحمه الله عن أبواب بيروت القديمة في مقال نشرته له مجلة "الكشاف" البيروتية في مجلدها الأول سنة 1345 ه (1927م) وذكر أنه أدرك هذه الأبواب قبل ازالتها وذلك بقوله:

"... يروى أن مدير الكمرك، بالاتفاق مع والي عكا سن للأمير يوسف الشهابي لزوم انشاء السور لبيروت، فتولى مدير الكمرك انشاءه وحصنه بالأبراج من جهة أبوابها، وجدد بناء القلعة والطوابي من جهة البحر، والبرج الذي هدم فيما بعد وقامت بناية الكمرك مكانه، وجعلوا للسور خمسة أبواب: باب الدركاه، وباب يعقوب من جهة الجنوب، وباب المصلى وباب الدباغة من جهة الشرق، وباب السمطية من جهة الغرب، ومن جهة الشمال الميناء وكانت محصنة بالقلعة والبرج والطوابي...".

ثم يتابع الشيخ عبد القادر القباني حديثه عن ذكرياته في "بيروت القديمة"، قبل زوال أسوارها وأبوابها واتساع بنيانها وعمرانها، ويقول:

"... ولقد أدركت هذه الأبواب تغلق بعد الغروب بساعتين وتفتح صباحا ً... وكان بالأبراج بجوار الأبواب جند للمحافظة. وكان لهم وللمدفعية في القلعة والطوابي شأن مع سفن اليونان الذين غزوها مع الفجر وارتدوا أدراجهم غير موفقين بعد معركة سنة 1240 ه (1834م)".

الخلفيات السياسية لاغلاق الأبواب وفتحها

ان الاستراتيجية الحربية القديمة كانت تعتمد على تسوير المدن وانطوائها داخل أبوابها المحصنة بالطوابي والأبراج لحمايتها من العدوان الخارجي في أثناء الخصومات المسلحة، وهذا ما اتبعه حكام بيروت على مدى التاريخ. على أن أحمد باشا الجزار حاكم بيروت في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ومن بعده ابراهيم باشا (المصري) الذي احتل المدينة بقواته في أواسط القرن الذي تلاه قد استخدما هذا السور وما فيه من تحصينات وأبواب لأغراض أمنية داخلية، وفي مقدمة هذه الأغراض منع بعض الأشقياء من رعايا جبل لبنان من التسرب الى داخل بيروت والعيث فسادا ً في ربوعها، أو العبث براحة البيروتيين وأمنهم واستقرارهم ومصالحهم العامة. حتى ان الجزار حظر الاقامة في بيروت على أهل الجبل – النصارى – وعلى أمرائهم الشهابيين الذين هدم ما كان لهم في هذه المدينة من قصور وقيصريات ومساكن.

وفيما يلي نص الرسالة التي وجهها ابراهيم باشا (المصري) الى القنصل الانكليزي في بيروت لاحاطته علما ً بأن الضرورات الأمنية اقتضت اقفال أبواب بيروت للمحافظة عليها من هجمات الثوار اللبنانيين الذين وصفهم بأنهم "بعض أشقياء من رعايا جبل لبنان".

"الجناب الأكرم، حضرة المحب الأجل المحترم، قنسلوس بك دولة الانكليز المحتشم حفظه الله تعالى؛

ليس خافي محبتكم الحال الواقع من ظهور خروج بعض أشقيا من رعايا جبل لبنان كما هو المسموع والمحسوس بالقرب من هذه الناحية. ومن جراء ذلك رعايا بيروت من اسلام وذميون (هكذا وردت) سكنا البرية، متحسبين، وعمال ينزلوا عفشهم الى البلدة، والبعض نزلوا من محلاتهم الى البلدة، فبحيث الحالة هذه: وللمحافظة المأمورين بها، واحتراسا ً لأمر ما، اقتضى التنبيه بأن كافة البوابات تقفل أذان المغرب وبالاذن يصير فتح بوابة السراي الى حد العشاء فقط، وبعد أذان العشاء المتقدم شرحه، ما في رخصة لفتح البوابة كليا ً، بل الذي يكون داخل البلدة يفضل بها كما والذي خارج البلدة أيضا ً. وحيث ذلك عايد لراحة الضمير ولأجل المحافظة المأمورين بها اقتضى افادة محبتكم بذلك وانه تعالى يحفظكم.

الختم: محمود نامي - مير محمود - محافظ بيروت

عدد أبواب "بيروت القديمة" وأسماؤها ومواقعها

يكاد يكون من الثابت أن أبواب "بيروت القديمة" سبعة، واذا كان بعضهم يجعلها ثمانية فذلك راجع في الأرجح الى تكرار أحد الأبواب باسمين مختلفين كما هو الشأن بالنسبة لباب الدركة الذي كان الناس يسمونه أيضا ً باب الأربعين لقربه من المحلة المعروفة بهذا الاسم. كما أن بعضهم عد أيضا ً" باب أبو النصر" المستحدث من بين الأبواب القديمة، وهو ليس منها سواء من الناحية التاريخية الزمنية أو من الناحية الاستراتيجية العسكرية.
العالم الأثري الفرنسي دومنيل دو بويسون في كلامه عن التحصينات العسكرية في "بيروت القديمة" جعل عدد أبواب هذه المدينة سبعة وذكرها بالأسماء التالية:

1- باب السلسلة، 2- باب الدباغة، 3- باب السراي، 4- باب أبو النصر، 5- باب الدركه، 6- باب بعقوب، 7- باب ادريس.

وقد تكرر هذا العدد في كتابات أكثر المصنفات الأجنبية والوطنية، وفي بعضها اتفاق في الأسماء وفي بعضها الآخر اختلاف، من ذلك الدكتور أسد رستم المحقق التاريخي المعاصر حيث يقول في مقال نشره في مجلة "الكلية" الصادرة في الجامعة الأميركية ببيروت سنة 1927م تحت عنوان"بيروت في عهد ابراهيم باشا":

"... كان لسور بيروت في أوائل القرن الماضي (التاسع عشر الميلادي) سبعة أو ثمانية أبواب منها: باب السلسلة، لمنع المراكب من الدخول الى الميناء، وباب الدباغة، وهو لا يزال قائما ً بالقرب من جامع الدباغة، وباب السراي، وهو لا يزال على تمامه تقريبا ً بالقرب من مركز الحكومة اللبنانية (وقد هدم بعد كتابة هذا المقال) وباب الدركة، وقد اندثر تماما ً، وباب يعقوب، فباب ادريس، وباب السنطية".

أما الشيخ عبد القادر القباني فانه أحصى في سور "بيروت القديمة" خمسة أبواب ذكرها بأسمائها التي أوردها في مقاله الذي أشرنا اليه من قبل، وهي الأسماء التي كانت مشتهرة على ألسنة الناس في زمانه (أوائل هذا القرن العشرين للميلاد).

لماذا كانت الأبواب سبعة لا أكثر ولا أقل؟

لعلنا لا نبتعد عن الحقيقة والواقع اذا فسرنا اقتصار أبواب "بيروت القديمة" على عددها المتفق عليه، أي "سبعة" من خلال المدلول الخاص لهذا الرقم عند المسلمين، وكذلك عند غيرهم من الأقوام: ساميين وغير ساميين.. كما يمكننا القول، دون أن نخشى الزلل، أن هذا الرقم كان له عند العرب معنى التكامل الذي له أبعاده الروحية والدينية بالاضافة الى ارتباط أذهانهم بايجابياته المتصلة اتصالا ً وثيقا ً بالسماوات السبع الوارد ذكرها في المأثورات العقائدية.

وعلى هذا يكون اقتصار أبواب "بيروت القديمة" على عدد سبعة انما هو من قبيل التفاؤل بقدرة هذا العدد على حصانة هذه الأبواب وكفايتها على حماية البلد وأهله من أذى وعدوان كل شانىء يتربص به الدوائر سواء من داخل جبل لبنان أو من خارجه.

أسماء الأبواب ومواقعها في بيروت القديمة

ان أبواب "بيروت القديمة" اكتسبت أسماءها من أسماء الأماكن التي تواجدت بقربها، وأحيانا ً من أسماء الأشخاص المكلفين بحراستها أو المقيمين بجوارها، وفيما يلي تفصيل ذلك بالنسبة لكل باب من هذه الأبواب على حدة.

1- باب السلسلة

يمكن القول ان هذا الباب هو أقدم أبواب "بيروت القديمة" عهداً، اذ يرجع بتاريخه الى أيام نائب الشام الأمير بيدمر الخوارزمي المملوكي. وفي كتاب "تاريخ بيروت" لصالح بن يحيى اشارة لهذا الباب وبانيه بيدمر المذكور، يقول مؤلف الكتاب:

"ولما جدد الأمير بيدمر نائب الشام سور بيروت على جانب البحر، جعل أوله من عند الحارة التي لنا على البحر واصلا ً تحت البرج الصغير العتيق، عمارة تنكز، نائب الشام المعروف ببرج البعلبكية، وجعل بين هذا السور وبين البرج المذكور بابا ً وركب عليه سلسلة تمنع المراكب الصغار من الدخول والخروج فسمي "باب السلسلة".

أقول ، هذا الباب لم يكن من الانشاءات التي أقامها الجزار في بيروت أثناء ولايته على هذه المدينة في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد، بل انه من أعمال الحكام المماليك. وكان الغرض منه منع السفن الغريبة من دخول مرفأ بيروت والخروج منه الا باذن من السلطات المملوكية في ذلك الحين.
وأغلب الظن أن ما كان في الأيام الماضية والأجيال التي تقدمتنا يعرف باسم "السلسول" أو "السنسول" في المرفأ، هو نفس ما كان يعرف قديما ً باسم "باب السلسلة" ولكن مع تغيير أساسي بين ما كان عليه هذا المكان في الأزمنة الماضية البعيدة وبين ما آل اليه أمره في العصور الحديثة.

2- باب السراي

كان هذا الباب يقع عند رأس شارع فوش الحالي، في مكان بناية دعبول حيث كانت وزارة الاقتصاد تجاه جامع الأمير منصور عساف الذي اشتهر هو الآخر سابقا ً باسم "جامع السراي" أو "جامع دار الولاية". والمقصود بالسراي ودار الولاية القصر الذي كان مركزا ً لحاكم المدينة وأعوانه من الموظفين. وكان هذا القصر قائما ً في الأرض التي شغلها سوق سرسق فيما بعد. وبعضهم ينسب القصر الى الأمير فخر الدين المعني الثاني حاكم بيروت وجبل لبنان في الثلث الأول من القرن السابع عشر الميلادي. وآخرون ينسبونه لمعاصره الأمير منصور عساف الذي بنى الجامع الذي مر ذكره.

هذا الباب اشتهر باسم "باب السراي" وذلك لوقوعه بالقرب من السراي المذكورة كما اشتهر أيضا ً، في مطلع القرن الحالي، أيام آبائنا باسم "باب المصلى" لوقوعه بالقرب من "ساحة المصلى" احدى ثلاث ساحات في "بيروت القديمة" والاثنتان الأخريان هما "ساحة الدركه" و"محلة الثكنات".

وعندما كتب الشيخ عبد القادر القباني رحمه الله خاطراته عن "حياة بيروت وتحولاتها" في أيامه، ما بين أواخر القرن الماضي وأوائل الحالي، حدد لنا مكان الباب الذي نتحدث عنه وقال انه يقع من جهة الشرق – أي شرق المدينة.أما "ساحة المصلى" الذي كان باب السراي يقع فيها وينسب أحيانا ً اليها فان الشيخ عبد القادر وصفها لنا، ونقل الينا ما كان يجرى فيها على عهده مما أدركه هو بنفسه قبل زوال الساحة والباب الواقع بقربها.

قال هذا الشيخ الفاضل:

"ساحة باب المصلى، أو باب السراي، ويحدها من الغرب سراي الحكومة القديمة، وقد شيد مكانها ومكان حديقتها "سوق سرسق وتويني وشركاهم"، ومن الشرق الطريق المؤدية الى محلة المدور، ومن الجنوب خان الوحوش، وسهلات البرج، ومن الشمال قطعة الأرض التي شيدت فيها البناية التي تعرف بخان سعيد آغا وما جاورها من البناء شرقا ً. ويقال - والكلام للشيخ عبد القادر - ان هذه الأرض كانت قسما ً من جبانة المصلى، استولى عليها نعيم أفندي، أول من تولى ادارة الأوقاف في بيروت، فأخذ أوقاف المساجد من نظارها وأنشأ فيها البنايات المذكورة، ثم تداولتها الأيدي".

كان ضمن هذه الساحة "المصلى" وكانت تقام عنده الصلوات وعلى الأخص صلاة العيدين. في هذه الساحة كان اجتماع أولاد المحلات المجاورة لجامع الأمير عساف المعني (الأصح التركماني) المعروف بجامع السراي، وأولاد الزواريب الكائنة في سوق الفشخة (الشارع الجديد) وقد هدمت أكثر تلك الأماكن توسيعا ً للطرق العامة.

ان باب السراي بقي قائما ً بحالة جيدة الى أن تم هدمه سنة 1927م عندما بوشر بتخطيط الشوارع في المدينة القديمة. وبقرب هذا الباب كان يوجد شجرة جميز كبيرة يستظل بها "حلاق بلدي" يتألف "صالونه" من كرسي يجلس عليه الزبون ومرآة ليس لها اطار يحملها الزبون بيده أثناء عملية الحلاقة التي يدفع مقابلها للحلاق رغيفا ً وبصلة. والله يحب المحسنين.

وفيما يتعلق بوصف هذا الباب فاننا لا نملك صورة تبين لنا شكل باب السراي على حقيقته القديمة، ولذلك فاننا نكتفي بما كتبه في وصفه دومنيل دو بويسون الذي قال "انه - أي الباب - قد بلغ الى عهدنا (1922) على تمامه تقريبا ً مع ما كان يستند اليه من الأبنية الجنوبية الشرقية. فنرى هناك أولا ً بناية الباب المربعة، ثم مقدمة السور القديم، ثم برجا ً مربعا ً مستطيلا ً يدعمه السور، فواجهة الباب من خارجه تتألف من حائط بسيط تعلوه شرفات صغيرة وتحميه كوىً للقذائف غير منتظمة، وفوقه، كما فوق باب الدباغة بناية مع دعائمها الثلاث لحماية الباب، وقد فتح في هذه البناية القديمة شباك يشوه منظرها ويعرضها للخراب، والباب على شبه باب الدباغة يسنده قوس محدب، ينزل الى عتبته بأربع درجات منعطفة عند أطرافها، والعتبة أسطوانة لعمود قديم، وعلى يمينه منشأ سور المدينة الذي يؤلف بالنسبة الى باب السراية زواية مستقيمة فيفيده متانة من تلك الجهة، وكان توجيه الباب نحو الزواية الشمالية الشرقية. وكذلك الكوى لرمي القذائف ليست على خط مستو لكنها مائلة الى الزاوية عينها التي تتألف في قسمها الأعلى من بسطة سوية تعضدها قنطرة صغيرة.
وكان السائر ينفذ الى داخل السور مارا ً تحت قبة مقرنة. وللباب من هذه الجهة منظر بديع، فانه قوسه الكبير يشبه حنية في تقويسها شيء من العوج وفوقها سطح صغير على علو طابقها الأول الذي يرقى اليه بدرج باطني بني فوق قوس صغير يستند الى القوس الكبير. وكان الراقي الى السطح المذكور يمكنه أن يبلغ الى أعلى الأسوار ويصعد الى السطح الأعلى الذي فوق الباب.

3- باب الدباغة

هذا الباب كان يقع في طرف سور "بيروت القديمة" عند وصوله الى مرفأ المدينة، وقد دعي بهذا الاسم لأنه يؤدي مباشرة الى سوق الدباغين وقد أدركت شخصيا ً بقايا هذه السوق، وفيها مصنع لدباغة جلود الحيوانات وكان ذلك حوالى سنة 1935م.

وبجانب الباب كان يوجد مسجد صغير اشتهر عند الناس باسم "جامع الدباغة" لوقوعه بجانب سوق الدباغين، وقد هدم هذا المسجد عند تخطيط الشوارع في المنطقة التي يقع فيها وبني في مكانه مسجد جديد أطلقت مديرية الأوقاف الاسلامية عليه اسم: "جامع الصديق" تيمنا ً باسم الصحابي الجليل أبي بكر الصديق، أول الخلفاء الراشدين رضي الله عنه.

في وصف هذا الباب قال دومنيل دو بويسون، أثناء كلامه عن التحصينات العسكرية في "بيروت القديمة":

".. باب الدباغة فتح في بدنة السور، عرصة نحو مترين وستين سنتميترا ً. كان يعلوه قوس محدب من حجر، وبقرب القوس المذكور من باطنه خشبة ضخمة تعترضه، لها في طرفيها ثقبان، وعلى هذا المثال بقية الأبواب كباب السراي وباب يعقوب، وباب قلعة المعز في صيدا.

وقد أقيم فوق الباب، لحراسته، بناية مستندة الى ثلاث دعائم كان الجنود يرمون منها القذائف على العدو، وكان باب السراي مجهزا ً بمثلها. وليست هندسة الباب على شكل واحد في جانبيه شرقا ً وغربا ً، فان بناءه أوسع من جهة الشرق وأدق صنعا ً مما يدل على عهد أقدم".

وجدير بالذكر أن الصورة الوحيدة التي أخذت لهذا الباب قبل زواله هي تلك التي نشرها الأب لويس شيخو اليسوعي في الصفحة الأولى من كتاب "تاريخ بيروت" لصالح بن يحيى. وهذه الصورة تمثل الباب من خارجه مع قسم من قبة جامع الدباغة قبل ازالته.

كان سور "بيروت القديمة" يمتد عبر هذا الباب الى أن يصل الى عند باب السراي. وعلى امتداد هذه المسافة وبحذائها مقبرة اسلامية عرفت آنذاك باسم "الخارجة" لوقوعها خارج المدينة والسور، وعند الطرف الآخر من السور مقبرة أخرى للمسلمين أيضا ً وهي: السنطية. المقبرة الأولى. (الخارجة) درست في السنوات الأولى من عهد الانتداب الفرنسي واستعملت رحبتها من قبل تجار الخضار بالجملة، ثم أصبحت أرضها وقفا ً لجمعية المقاصد الخيرية الاسلامية التي بنت عليها فيما بعد منشأة كبرى ضمت صالة للسينما ومحلات تجارية ومجموعة من المكاتب والمراكز الخاصة.

والمقبرة الثانية - السنطية - بقي الدفن مستمرا ً فيها حتى عهد قريب الى أن تعرضت لقذائف المتقاتلين في الحرب الأهلية الأخيرة (1975 – 1991) وتهدمت القبور التي فيها ثم توقف الدفن فيها بصورة نهائية.

وعند باب الدباغة كانت تتجمع المرافق التجارية من البضائع الواردة الى بيروت والصادرة منها وذلك لقرب هذا الباب من مرفأ المدينة اذ كانت القوافل المثقلة بأحمالها اذا اجتازت الباب المذكور تجد نفسها مباشرة عند المرفأ القديم وبذلك يتوفر عليها المرور في قلب المدينة ومزاحمة المارة في طرقاتها الضيقة الملتوية ويتيسر على التجار أصحاب هذه القوافل انجاز معاملاتهم الرسمية لدى موظفى الجمرك الذي كانوا يقيمون عند الباب المذكور لأداء مهمتهم الحكومية في القطاع التجاري ما بين داخل بيروت وخارجها.

وفي الثلاثينات من هذا القرن، عندما كانت بلدية بيروت تردم بقايا السور وتزيل أنقاض باب الدباغة المتصل به لتفتح الشوارع والأسواق في منطقة المرفأ، ظهرت تحت الردم والأنقاض آثار هيكل روماني وحطام تمثال لأحد الفرسان، وقد نقلت هذه الآثار والعاديات الأخرى الى المتحف الوطني، وهي ما تزال محفوظة فيه حتى اليوم.

4- باب الدركة

كان موقع هذا الباب عند رأس شارع اللنبي المعروف عند الجمهور باسم "شارع المعرض"، وكان بالقرب منه عدد من المنشآت الدينية الاسلامية والنصرانية. وكذلك بقايا آثار تعود الى العهدين الروماني والبيزنطي في هذه البلاد. من المنشآت الدينية الاسلامية مسجد صغير باسم "جامع الدركة"، ومن المنشآت النصرانية "الكنيسة المسكوبية" التي بنيت قبل نحو مائة سنة من زماننا على أثر الشقاق الذي حصل بين الروم الكاثوليك عند تغيير الحساب الشرقي الى الحساب الغربي، ودير الآباء الكبوشيين الذي أخلاه رهبانه سنة 1870 م وبداخله كان المقر الرسمي للقنصل الفرنسي في أواخر العهد العثماني.

وكان على مقربة من هذا الباب حمام عمومي يرتاده الناس قبل شيوع الحمامات في البيوت السكنية. وعين ماء جارية مصدرها محلة رأس النبع، هذه المحلة التي كانت قديما ً احدى ضواحي المدينة وهي الآن واقعة في صميمها. ولعلها العين الوحيدة التي كانت في "بيروت القديمة" ومنها كانت مياه الحمام الذي بقرب الباب.

ومما يذكره الشيخ عبد القادر القباني، على سبيل التفكهة من أخبار تلك الأيام، أن أولاد "ساحة الدركة" اتفقوا يوما ً أن يقفوا صفا ً بانتظام لتأدية السلام الى والي المدينة، وكان والي الايالة يومئذ صالح وامق باشا - وهذا قد تولى ايالة صيدا ثلاث مرات - وكان منزله في المرة الأخيرة سنة 1273 ه في محلة جميزة يمين (الجميزة اليوم) وكانت طريقه الى دار الحكومة عن ساحة الدركة، فمر يومئذ ولم ينتبه أو أنه لم يرق له الالتفات الى أطفال فيرد لهم التحية، فشق ذلك عليهم وأجمعوا أن يحفروا في طريقه حفرا ً (غميرات) عمقها نصف ذراع وذرعها نصف ذراع تستر فوهاتها بقضبان رفيعة وهشيم يعلوه الرمل، ففعلوا، وعند عودة الوالي مساء ً ابتعدوا عن المكان مترقبين، وكان من عادة الوالي أن يركب فرسا ً تحيط به حاشيته من الجنود والأتباع والحشم والأغوات، فعثرت رجل الفرس بحفرة أو حفرتين، الا أن الوالي كان فارسا ً ماهرا ً فلم ينله أذىً، وكان ينهض من حفرة الى أخرى وكذلك حاشيته التي ساءها الأمر، فعزمت على انزال العقاب في أولاد المحلة فكان الوالي أسرع منهم في ردعهم عن ذلك.. وقد امتنع أولاد المحلة مدة عن الاجتماع في ساحة الدركة عند مرور الوالي، ثم اجتمعوا مرة أخرى ووقفوا له موقف التعظيم فسلم عليهم وتلقوا سلامه بالاكرام والاحترام.

واذا كان باب الدركة عاش مغامرات صبيان بيروت مع والي الايالة فان هذا الباب عاش قبل ذلك المغامرة التي قام بها ابراهيم باشا (المصري) لانشاء دولة تحت تاج أبيه محمد علي باشا عزيز مصر على حساب الامبراطورية العثمانية. ذلك أنه في سنة 1832م وصل ابراهيم باشا الى ظاهر بيروت وما لبث أن دخلها فاتحا ً من تحت قنطرة باب الدركة التي كانت تحمل نقيشه باللغة اليونانية معناها العربي "أيها الداخل افتكر بالرحمة". وفيما كان هذا القائد المنتصر يجتاز الباب اذا بأفعوان ضخم يتلوى تحت حوافر حصانه، وكان لظهور هذا الأفعوان في تلك اللحظة التاريخية ايحاء بالتشاؤم لدى المحيطين بالقائد الفارس. الا أن ابراهيم باشا سرعان ما أهوى بسيفه على الأفعوان وقضى عليه. وبذلك أذهب عن موكبه غمامة التشاؤم واستبدل بها موجة عارمة من التفاؤل المشوب بزهو الفتح والانتصار.

بقي علينا القول بأن جميع ما كان بجوار "باب الدركة" من المنشآت الدينية والعمرانية والطبيعية قد آل الى الخراب، وما كان العقد الثالث من القرن الحالي ينتصف حتى زالت من على وجه المنطقة جميع المعالم الدالة على تلك المنشآت. وكذلك الحال بالنسبة لباب الدركة نفسه الذي افتقده البيروتيون للأبد وغاب اسمه عن أذهانهم كما نسيته ألسنتهم ولم يعد يخطر لهم على بال. الا أن دائرة الآثار اللبنانية أرادت أن تستكشف عاديات الأرض التي كانت بجوار هذا الباب، فقامت بحفريات في تلك المنطقة أدت الى ظهور أنقاض أعمدة ضخمة في الجهة الشرقية منه وفيها ثلاثة منتصبة كان السياح الأجانب يدعونها "سواري الأربعين" بينما كان الأهالي يطلقون على المكان الذي دفنت فيه هذه السواري الثلاث وبقية أنقاض الأعمدة الأخرى، اسم "رجال الأربعين" وذلك بسبب خلفيات من التقاليد الشعبية المتوارثة، سواء عند المسلمين أو عند النصارى من أبناء هذه المدينة.

أما الدركة التي نسب اليها الباب فهي اللفظ العامي لاسم فارسي مركب من كلمتين: در بمعنى باب، وكاه بمعنى قصر، فيكون هذا الباب يحمل في الأصل اسما ً فارسيا ً مما يجعلنا نميل الى الظن، بل الترجيح، بأنه من بقايا قصر قديم ذهب به البلى، ولم يبق منه سوى بابه الذي أصبح فيما بعد أحد أبواب مدينة "بيروت القديمة" عندما بنى أحمد باشا الجزار سورها وبقية أبوابها. ومما يحملنا على هذا الظن والترجيح ما كنا قد أشرنا اليه قبل حين عن وجود الكتابة اليونانية على قنطرته العليا التي معناها بالعربية "أيها الداخل افتكر بالرحمة". أما سبب تسمية هذا الباب باللغة الفارسية فانه يرجع الى تأثر الناس في حينها باللغة التركية، لغة الدولة الحاكمة التي يتخللها كثير من المفردات والمصطلحات الفارسية الأصل. واذا ربطنا بين وجود هذه الكتابة على قنطرة الباب وبين وجود الأعمدة العالية بجواره تحت التراب، أمكننا تبرير ما ذهبنا الى استنتاجه بهذا الصدد. والنقيشة المذكورة نقلتها مديرية الآثار اللبنانية في الماضي الى ساحة البرج. وفي الشروح التي وضعها الأب لويس شيخو اليسوعي على كتاب "تاريخ بيروت" لصالح بن يحيى تفصيل خبر هذه النقيشة وتفسير معناها.

يعتبر باب الدركة أجمل أبواب "بيروت القديمة" لما كان عليه بناؤه من متانة واتقان. ومن حسن الحظ أن هناك ثلاث صور أخذت له قبل زواله مرسومة من داخل السور، ومن هذه الصور نتبين هندسته وما كان قائما ً بجواره. اثنتان من هذه الصور نتبين هندسته وما كان قائما ً بجواره. اثنتان من هذه الصور للمصور مونفور (Monfort) والثالثة للمصور لوهو (Le Houx).

وهذه الصور الثلاث أخذت للباب من جهتيه الشمالية الشرقية والشمالية الغربية، وهي توحي بأن بناءه مربع الشكل تقريبا ً. وهذا البناء مؤلف من قسمين يختلف زمان أحدهما عن الآخر. فالقسم الخارجي يعلوه برجان مربعان كان يجمع بينهما حائط. ويؤخذ من أساس البناء وأغلاقه المختلفة اللون مناوبة أنه من بناء العرب. أما القسم الداخلي فهو خال من النقوش، ولواجهته أربع نوافذ بيضاوية الشكل غير متساوية الارتفاع. أما السور فهو على علو الباب في زاويته الشرقية الشمالية ويبلغ علوه وسط الباب في الجهة الغربية. وبناء الباب من الجهتين الشرقية والغربية مستقيم، له في أعلاه موقف للدفاع مع صفين من الكوى المعدة لرمي القذائف. وشرفاته - أي الباب - مروسة بشكل تدريجي وهي أعلى من مستوى السور. وهناك مكان مخصص للحرس لضرب العدو، على ارتفاع حوالى ثلاثة أمتار فوق مستوى الأرض. وفي هذا المكان سبع كوى ً لرمي القذائف تحت تصرف الحرس.

5- باب يعقوب

هذا الباب يقع في جنوبي "بيروت القديمة" في المكان الذي يحاذي الطرف الشرقي من أول الطريق المؤدية الى جامع زقاق البلاط المعروفة عند الناس باسم "طلعة الأميركان" لأنه يوجد بقربها منشآت دينية ومكتبية للأميركان البروتستانت، وكان هذا الباب، قديما ً، يفضي من خارجه في ظاهر السور الى ساحة رملية فيها بعض أشجار الجميز. وهي الساحة التي عرفت آنذاك باسم "ساحة عصور" وفيها كان البيروتيون يقضون مواسم أعيادهم الدينية. وقد أصبحت هذه الساحة معروفة في أيامنا باسم "ساحة رياض الصلح" لوجود تمثاله فيها.

وفي رأي الفيكونت فيليب دي طرازي أن هذا الباب أقامه أحمد باشا الجزار في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي بدلا ً من باب آخر كان يقع على مسافة نحو عشرين مترا ً في شماله، وذلك حينما حاول هذا الحاكم ترميم سور بيروت وأدخل في نطاقه مساحات جديدة من الأراضي البور مما كان بجواره في ذلك الحين.

لماذا نسب الباب الى يعقوب؟

كنا من قبل قد ذكرنا أن أبواب مدينة "بيروت القديمة" اشتهرت بأسماء المناطق التي تقع فيها أو بأسماء الأشخاص الذين تولوا حراستها لمدة طويلة. وباب يعقوب، هو من الأبواب التي اكتسبت اسمها من شخص كان يسكن بالقرب من هذا الباب وكان اسمه "يعقوب" بيد أن شخصيته صاحب هذا الاسم موضع خلاف. بعضهم قال ان الباب منسوب الى يعقوب الكسرواني الذي كانت داره فوق الباب. وهذا هو رأي دومنيل دو بويسون. وقال آخرون ان هذا الباب منسوب الى طبيب صيداوي اسمه "يعقوب أبيللا" سكن الدار المذكورة في أواسط القرن التاسع عشر (الميلادي) وكانت عيادته حيث يعالج المرضى في فناء الدار نفسها. ويعقوب أبيللا، أصبح فيما بعد قنصل انكلترا في صيدا، وكانت وفاته سنة 1873م. وهو ابن طبيب مالطي دخل في خدمة جيش نابليون بونابرت أثناء حصار هذا الجيش لمدينة عكة أيام الوالي أحمد باشا الجزار في السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر (الميلادي).

وعندما وصف دومنيل دو بويسون باب يعقوب كما رآه حوالى سنة 1920م قال: "..غمر الرمل "باب يعقوب" وهو اليوم معبر مبني تحت شارع السراية (أي مقر رياسة الحكومة اللبنانية سابقا ً) ينفذ الى غربي شارع فخر الدين (رياض الصلح حاليا ً) ويقيس هذا الباب حالا ً مترين وسبعين سنتميترا ً في العلو. ومثله قياسا ً في عرضه، وهو يشبه في صورته وتنظيمه بابي السراية والدباغة. وسمك الحائط خمسة وسبعون سنتميترا ً، ولا تزال دفتاه في مكانهما، وهما تتألفان من أخشاب ذات تقاطيع منقوشة من داخلها. وهما مصفحتان من الخارج بالحديد والمسامير البارزة الرؤوس، وفي احدى الدفتين خادعة (أي فتحة صغيرة كنا نسميها خوخة) وهناك بقايا عقود تبين أن البناء كان متواصلا ً الى جهة الشمال حيث ينتهي الى سوق مسقف، هذه الآثار كلها ترى تحت الطريق الحالية". انتهى كلام دوبويسون.

أقول: من المعالم البارزة التي كانت بجوار "باب يعقوب" عين ماء جارية كانت تسمى أيضا ً "عين يعقوب" ومسجد صغير له مئذنه من الخشب كان يسمى "جامع شيخ الشربة" والى الجهة الشرقية الجنوبية من الباب كانت تمتد "ساحة السور" المتصلة "بباب الدركة" وقد ذكرنا من قبل أن هذه الساحة كانت المكان الذي يقضي فيه البيروتيون مواسم أعيادهم.

على أن هذه المعالم كلها قد غابت وطوتها يد العفاء مع الزمن، بيد أن "باب يعقوب" نفسه بقي جزء منه ظاهرا ً للعيان بين الأنقاض المتراكمة عليه. وانني، شخصيا ً، أدركت هذا الباب قبل نحو أربعين عاما ً، وهو غائر تحت طريق "طلعة الأميركان" قبل تخطيط هذه الطريق وتوسيعها. أما اليوم فان "باب يعقوب" أصبح نسيا ً منسيا ً ولم يعد أبناء الجيل الحاضر يسمعون به أو يعرفون عنه شيئا ً..

وجدير بالذكر أن "باب يعقوب" هو آخر ما زال من أبواب "بيروت القديمة".

6- باب ادريس

كان هذا الباب يقع في المنطقة التجارية التي ما تزال حتى اليوم تحمل اسمه. وتشير التقاليد أن موقعه بالضبط كان على امتداد حائط كنيسة الآباء الكبوشيين التي ما تزال موجودة في مكانها القديم. واذا كانت جميع أبواب "بيروت القديمة" قد زالت وكذلك أسماؤها فان "باب ادريس" زال رسمه وبقي اسمه. و"باب ادريس" اليوم اسم يطلق على المنطقة الواقعة ما بين سوق البازركان القديم في الشرق الجنوبي وبين بناية ستاركو في الشمالي الشرقي، وما بين كنيسة الكبوشيين في الجنوب الغربي. وحتى سيف البحر عند مقهى الحاج داود القديم في الشمال.

وهذه المنطقة تعتبر "سرة المدينة" وهي تتمتع بسمعة تجارية واسعة سواء بالنسبة للسوق المحلية في بيروت ولبنان أو بالنسبة للأوساط الحالية والاقتصادية في الأسواق العالمية.

كانت المنطقة المعروفة اليوم بهذا الاسلام "باب ادريس" جزءا ً من القطاع الزراعي الممتد داخل سور المدينة. وكان السور يمتد من الباب المذكور الى سوق الجميل، حيث كان باب المدينة الأخير المدعو "باب السنطية" قريبا ً من البحر وأمامه "مقبرة السنطية" التي تهدمت في أيامنا خلال الأحداث الأخيرة (1975-1991).

وفي الخرائط العسكرية الانكليزية المأخوذة في أواسط القرن التاسع عشر للميلاد خلال حروب ابراهيم باشا المصري، يظهر بازاء الباب من داخل المدينة حقل من أشجار التوت يمتد على طول السور من البحر الى باب ادريس نفسه.

أما سبب تسمسيته فقد كانت عائلة "آل ادريس" تسكن قربه، وهي من الأسر البيروتية الكريمة، أفرادها ما يزالون يقيمون في بيروت. وبسبب مجاورة آل ادريس للباب المذكور أطلق عليه اسم هذه العائلة، وما زال الأمر كذلك حتى اليوم، بيد أن الاسم أصبح علما ً على المنطقة التجارية التي كان الباب يقع فيها قبل زواله.

ولما قدم الفرنسيون الى سورية سنة 1860م، بسبب الفتنة الطائفية التي نشبت بين الدروز وبين النصارى آنذاك، وقاموا بانشاء طريق الشام، أرادوا أن يهدموا باب ادريس وقسما ً من سور المدينة ليوصلوا الطريق الى البحر، الا أن أبا صالح ادريس، صاحب الدار التي تجاور الباب وتلتصق به رفض التخلي عن ملكه وأصر على البقاء فيه. فقال له والي بيروت كلاما ً، وصف يومها بأنه شبيه بالتنبؤ:

"انك ستذكرني يوما ً بالخير وتتمنى لنفسي الرحمة اذا رأيت ما سيحصل من المنافع بفتح هذه الطريق!

وقصة هذا الباب ما بين الوالي وبين آل ادريس رواها لنا بتفاصيلها المثيرة الشيخ عبد القادر القباني رحمه الله حيث قال:

"لما كانت صيدا ايالة، قدم بيروت أحمد مخلص أفندي لتخطيط الطرق خارج أبواب بيروت، وكان الأهالي قد شرعوا في البناء في كروم التوت داخل السور وفي أبراجهم خارج البلدة أو في بساتينهم بجوار أبراجهم المتقدم ذكرها. وقد اقتضي بحسب التخطيط فتح باب "أبي النصر" و"باب ادريس". وحدث أن فتح "باب ادريس" وطريقه تمر في كرم توت لآل ادريس، وكانت والدتهم متقدمة السن، فأغاظها جعل بستان التوت طريقا ً، فأخذت "تسخط وتدعو" على أحمد مخلص أفندي، فكان يجيبيها قائلا ً: سوف تخصين أحمد مخلص بدعواتك الخيرة فيما بعد. ثم انه لما قدم مخلص باشا سنة 1284ه (1866م) واليا ً على سورية، وكانت بيروت تابعة لها قصد "بوابة ادريس" فوجد كرم التوت تحول الى مخازن ودكاكين ومنازل. فذهب الى منزل تلك السيدة وسألها عما اذا كانت لا تزال ساخطة على أحمد مخلص أم أنها عرفت له حسن عمله، فاعتذرت اليه وأكثرت من شكره والدعاء له بالخير!".

7- باب "أبو النصر"

في أواخر القرن الماضي انتشر في بيروت وباء أصيبت به عيون الأطفال في مدينة بيروت. وهذا الوباء هو نوع من الرمد يدعى "تراخوما". ولمكافحة هذا الوباء وعلاج المرضى به قدمت الى بيروت بعثة من راهبات اللعازارية ضربت خيامها تجاه درج خان البيض الحالي ( رجال الأربعين سابقا ً) في نفس المكان الذي شيدت فيه بنايات اللعازارية اليوم وكان يومذاك أرضا ً بورا ً وقد أفلحت هذه البعثة في انجاز ما قدمت من أجله وخفت وطأة وباء التراخوما في البلد مما حمل السلطان عبد المجيد الأول على اصدار فرمان شاهاني بتقديم الأرض التي خيمت فيها الراهبات المذكورات ملكا ً لهن وذلك جزاء وفاقا ً على خدماتهن الطبية الانسانية.

ولكي تكون البادرة السلطانية متوازية بين النصارى وبين المسلمين فان السلطان أصدر في نفس الوقت فرمانا ً شاهانيا ً آخر منح بموجبه المسلمين، عن طريق نقيب الأشراف المرشد أبي الوفاء عمر أبي النصر اليافي، قطعة أرض أخرى في الجهة الغربية الجنوبية من "سهلات البرج" اليوم ليفيدوا من ريع ما يريدون بناءه في هذه الأرض. والذي حصل آنذاك أن الراهبات بنين على الأرض الموهوبة لهن ديرا ً لهن عرف باسم"دير اللعازراية" وجعلنه مأوى للقطاء من البنات غير الشرعيات وفيه جناح خاص لمداواة المصابين من الأهلين برمد التراخوما وغيره من أمراض العيون.

وقد أدرك أبناء جيلنا هذا الدير وبعضهم عالجوا عيونهم فيه، وذلك قبل أن ينقض بناؤه بعد الأضرار الجسيمة التي أصيب بها خلاله التظاهرات الغاضبة التي اجتاحت بيروت احتجاجا ً على التحديات التي قام بها عملاء الانتداب الفرنسي بمناسبة دخول قوات فرنسا الحرة بقيادة الجنرال شارل ديغول الى باريس بعد تحريرها من الألمان سنة 1945م. أما الأرض التي وهبت للمسلمين فان نقيب الأشراف بنى فيها سوقا ً تجارية عرفت من حينها باسم "سوق أبو النصر" وبنى كذلك دارا ً فخمة لسكناه خصص بعض غرفها باسم "الزاوية الخلوتية" التي كان هو نفسه شيخا ً لها. وفي هذه الدار نزل الأمير عبد القادر الجزائري عندما مر ببيروت في طريقه الى دمشق التي اختارها لاقامته بعد تغلب الفرنسيين عليه في الجزائر. وكانت الدار المذكورة وقتئذ أجمل أبنية المدينة.

وفي زمن لاحق تحولت هذه الدار الى مسجد تقام فيه الصلاة أطلق عليه الناس اسم "جامع محمد الأمين" ثم تألفت لجنة برياسة الطبيب الانساني محمد خالد رحمه الله وضعت يدها على البناء وما حوله تمهيدا ً لاقامة جامع كبير في نفس المكان باسم "جامع محمد الأمين" حقق الله الآمال.

وفي تحديد صفة باب أبو النصر وأسلوب بنائه ومكانه، يقول الكونت دومنيل دو بويسون.

".. هناك زقاق ومعبر مقبب يتجه الى الجنوب الغربي نحو كنيسة مار جرجس الكاتدرائية (المارونية) فانها كانت داخلة ضمن السور، وآخر دار نراها في هذا المعبر عن شمالك قبل دخولك تحت البناء المقبب، هي دار الأمير عبد القادر، سكنها عندما مر ببيروت... ويدعى ذلك المعبر المقبب الذي بقرب هذه الدار "باب أبو النصر" ينفذ منه الانسان الى "سوق أبو النصر" ومن دقق النظر في هذا الباب لا يسعه الا أن يسلم بكونه من أبواب المدينة رغما ً عما يرى على جداره الخارجي من آثار التحصين. لأنه يجب اذ ذاك القول بأن السور الوارد من "باب السراية" كان يستند الى زاوية هذا البناء في شماله الغربي، وذلك مما ينكره التقليد المحلي.

هذا، وان الروس عندما ضربوا بيروت بمدافعهم سنة 1773 لاخراج أحمد باشا الجزار منها وتسليمها للأمير يوسف الشهابي، عجزوا عن التأثير في سورها واقتحامه، فنزلوا من مراكبهم الحربية ومعهم مدافع ضخمة ركزوها عند السور ما بين باب السراي وباب أبو النصر، وفتحوا في هذا المكان ثلمة دخلوا منها الى قلب المدينة واحتلوها لبعض الوقت.. ومن ذلك الحين عرف المكان الذي وضع فيه ذلك المدفع باسم "ساحة المدافع" (Place des Canons) وهي أصبحت اليوم تحمل اسم "ساحة البرج" على أن الكتاب الأجانب ما زالوا يطلقون عليها اسم " ساحة المدافع"، حتى اليوم.

وقبل أن نترك الكلام في موضوع هذا الباب، فاننا نعرب عن شكنا في جدية اعتباره من أبواب "بيروت القديمة" ونرجح أن أحمد باشا الجزار هو الذي أقام في ذلك المكان بناء أطلق عليه الناس اسم "باب أبو النصر" وهو في الحقيقة ممر عادي تعلوه القباب، لا أكثر ولا أقل.

وبعد، هذه هي الأبواب السبعة التي كانت بيروت القديمة تتحصن وارءها كلما أوجست خيفة من غدر الغادرين أو طمع الطامعين سواء من وراء البحار أو من قمم الجبال. ولما استباح حماها ابراهيم باشا (المصري) سنة 1832 فتحت هذه الأبواب على مصاريعها وانطلق عمران المدينة من داخل السور الى ما وراءه، ولم يبق من بيروت القديمة وسورها وأبوابها الا التذكارات على هذه الصفحات التي نختمها بالدعاء المأثور "يا مفتح الأبواب، افتح لنا خير باب".
Mon Jul 29, 2013 6:12 am View user's profile Send private message Send e-mail Visit poster's website
Display posts from previous:    
Reply to topic     discoverlebanon.com Forum Index » لبنان ... باللغة العربية
   
Page 1 of 1

 
Jump to: 


 
 
  Panoramic Views | Photos | Ecards | Posters | Map | Directory | Weather | White Pages | Recipes | Lebanon News | Eco Tourism
Phone & Dine | Deals | Hotel Reservation | Events | Movies | Chat |
Wallpapers | Shopping | Forums | TV and Radio | Presentation


Copyright DiscoverLebanon 97 - 2020. All Rights Reserved

Advertise | Terms of use | Credits