Back Home (To the main page)

Souvenirs and books from Lebanon
 

Sections

About us

Contact us

 
 
SearchFAQMemberlistUsergroupsLog in
Youssef Chehab

 

 
Reply to topic     discoverlebanon.com Forum Index » لبنان ... باللغة العربية
  View previous topic
View next topic
Youssef Chehab
Author Message
admin
Site Admin


Joined: 09 Mar 2007
Posts: 529
Location: Jbeil Byblos

Post Youssef Chehab Reply with quote
يوسف شهاب 1876-1947 بقلم: منير برباري عضو المجلس الثقافي في بلاد جبيل

كتاب "ما هو الكون" الذي طبع عام 1934 ومخطوطة كتاب اسمه "نور الهدى" ومجموعة من الشعر في مواضيع منوعة، آثار تركها يوسف شهاب تدل عليه دلالة واضحة. في ابعادها متاهات ومشاغل طوت من الانسان خيالا ً وعقلا ً وعلما ً ما ملأ حافظة التاريخ بالوصف والتحليل والتدقيق. فمنذ كان الانسان حار بأمره. اين كان ولماذا اتى واين يذهب. من هو؟ ماذا هو؟ امادة هو ام روح ام مادة وروح؟ ماذا يحل به بعد الموت؟ ما هذا الوجود؟ من اوجده وكيف ولماذا؟ تساؤلات نمت في العقل فنما بها، واقلقت الفكر فاقلق بها الكون عبادة خوف من كل قوة طبيعية فيه، وايمان استسلام له لراحة النفس، وشكا ً قاتلا ً انتهى بالحاد بعد لأي او بايمان متردد. تأمل وبحث واستقراء افضت الى حقائق ما لبثت ان تبخرت اوهاما ً، وتدقيق وتجارب كشفت من بعض الأوهام حقائق.

بين المرئيات والغيبيات التي يعالجها الشهابي في أثاره عمر التراث الحضاري بعقائد ونظريات واكتشافات، حققت عبر الزمن غنى للفكر ورفاها ً في العيش، وفتحت آفاقا ً يسابق العلم ويغالب الايمان ويكتف التاريخ. انه وراء الحقيقة الكاملة التي يثبتها التطبيق الكامل. لا المنطق ولا العلم ولا الحقيقة النسبية ولا ما اقترنت به من تطبيق، تمكنت من تبديد هذا القلق ولن تتمكن، لأن الحقيقة الكاملة لن تدرك بالعلم ولا بالرياضيات ولا بصرف النظر عن قسم منها. ومن احدث النظريات ما يعتبر ان المنطق والرياضيات وحدة في طورين مختلفين. ويعبر الفيلسوف البريطاني برتراند راسل عن هذه النظرية بقوله: "المنطق هو طور شباب الرياضيات و الرياضيات طو ررجولة المنطق". وجون كيميني، الباحث المساعد لانشتين واستاذ الرياضيات والفلسفة في جامعة برنستون يقول:

"المنطق يهتم بالقضايا التحليلية لانه يريد ان يكون قادرا ً على الحكم بالصحة او البطلان بالاستناد الى الشكل فقط دونما استئناس بالحقائق، وهذه هي الحال في الرياضيات". ويقول في العلم "لقد وضع العلم نصب عينيه هدفا ً ملهما ً: ان يلم بالقانون الطبيعي، ولن يستطيع بلوغه البتة، غير ان بامكانه ان يتقارب منه اكثر فاكثر والى ما لا نهاية له. ان هذه صورة تذكي الأمل في تقدم مستديم لا يعتوره الخوف من ان الاجيال اللاحقة لن تجد ما تقوم به من عمل يستأهل اهتمامها".

فلا المنطق ولا الرياضيات ولا العلم، بمعناه الشامل، يمكن اذن ان يجيب الانسان على تساؤله الأزلي في اي زمن من الأزمان حسب هذه النظرية. وكل ما يمكن المرء ان يعرف من القانون الطبيعي هو ما يحفظه التاريخ عن الماضي، وما سيحفظه في المستقبل باستمرار حتى اللانهاية، وتتعاقب الأزمنة وتستمر المعرفة المحدودة ويبقى التوق الى المجهول.

غير ان هذا لم يمنع يوسف شهاب عن محاولة الاهتداء الى الحقيقة الكاملة، من خلال نظرية "نتيجة الواجب" التي انطلق منها بالتأمل والاستدلال، فشرح بها الوجود، والعدم والمادة والروح والخالق والمخلوق وتكوين الكائنات، وانتقالها من عالم الغيب الى عالم الظهور، وانتقال الروح الى عالم الآخرة.

و"نتيجة الواجب" هذه يشرحها بانها ما تقتضيه الحقيقة للشيء من الحالة والكيفية ولكي يكون هذا الشرح مفهوما ً من الناحية التطبيقية، اعطى عليه المثل التالي: هب ان الشيء ميزان ذو كفتين متعادلتين وان الحقيقة اقتضت لكفتيه التحرك بوضع كيلوغرام واحد في احداهما وكيلوغرامين اثنين في الثانية فنتيجة الواجب تكون ان ترتفع كفة الكيلوغرام الواحد وتنخفض كفة الكيلوغرامين.

وبنى على هذه النظرية هرما ً من الاستنتاجات في رصف محكم الاغلاق، هندسي التسلسل، كامل التصميم، شامل الفائدة. ادرك ان كل نظرية ليس لها صفة الشمول لا يصح ان تكون منطلقا ً للخير، وان السعادة لا تحقق الا باكتمال المعرفة وشمول الفائدة. فنهج بنظريته هذا النهج، ليجعل من كتابه "نور الهدى" شرعة انسانية تدل على القانون الطبيعي وتهتدي به للفكر والاجتماع والاقتصاد والسياسة فتنشر العلم والعدل والسلام وتخلق مدنية جديدة يقول عنها "انها تخدم الحق والحقيقة وتمكن كل نفس حية من الحصول على جميع حاجاتها ورغائبها باعدل واعجل واجمل طريقة".

ولعل في تسمية الكتاب "نور الهدى" ما يكشف حالة نفسية نشأت عند صاحبه بعد اكماله، قد تكون نفس الحالة التي وجد فيها ميكال انج عندما صرخ بوجه تمثال موسى بعد اكماله. وليس غريبا ً ان تتشابه المواقف اذا تشابهت الحالات والمواهب. بل الغريب الا تلتقي مواقف القمة في الخلق والابداع. فكل معرفة اصيلة تصب في معرفة اصيلة وكل عقل مبدع يتساوى في طبيعة الخلق مع عقل مبدع، لانهما من طبيعة الخالق، والا فكيف يكون الانسان على صورة الخالق ومثاله؟!

الشاعر الشاعر، والفنان الملهم، والمفكر الاصيل هم خالقون. نتاجهم من اصالة الذات، من هيولية الوجود، من خلود الروح. ينفخون فيه حياة من الحياة. ويبعثون به الحركة من الهيولي، ويقيمون منه موصلا ً للروح. هم يخلقون ولا يصنعون. بهم اهتدت المعرفة والعلم والتقنية. من دونها كانوا وهي بدونهم لا تكون. هي الماء التي يستقي به العطاش وهم الينابيع المتفجرة من الطبيعة. مجاري المياه تنظم وتنسق وتصنع ولكنها لا تفجر الينابيع.

والشهابي من ذاته اعطى. عرف الكون والكائنات ونواميس الطبيعة. استشف عالم الغيب وبحث في عالم الظهور وعالم الآخرة. جرى فكره على خط "نتيجة الواجب" بوقود التأمل وقيادة التحليل، ولم يتوقف الا في محطات الاستنتاج. سير واضح بشكل وحدة كاملة. نهج فلسفي رياضي.

انطلق على هذه الصورة: "هذا الكون الذي تراه وتدركه بحواسك وتأخذ منه حاجاتك، هو اشياء مادية، مركبة في الشكال هندسية ومدفوعة للتحرك والانتقال بارادة الهية ونواميس طبيعية. لذلك هي محدودة في كيانها ومقيدة في تركيبها ومسيرة على الوجهة الصحيحة، في كل عمل من اعمالها وكل حركة من حركاتها.

اما انها محدودة في كيانها فلأنه لا يمكن ان يتركب شيء من مواد الطبيعة الا في شكل هندسي بهيئة دائرة او مثلت او مربع او ما يتركب منها. وهذه كلها مقيدة ومحدودة لأن كل دائرة تنتهي عند محيطها وكل مثلت او مربع ينتهي عند التقاء القسم الواحد من اضلاعه بالقسم الآخر. فالكون المادي اذن كله محدود، سواء أكان كبيرا ً كالأجرام السماوية، ام صغيرا ً كالجواهر الفردية. وبما ان كل محدود مقيد بالصورة المركب فيها، ومسير بارادة من ركبه فلا يكون له حرية للتحرك ولا مشيئة للتصرف الا اذا انفك من تركيبه واصبح حرا ً مستقلا ً. والذي لا حدود له لا يمكن ان يكون له بداية ولا نهاية لأنه لا يوجد له طرف ليبتدىء منه او ينتهي اليه. لذلك هو كائن اصلي واجب الوجود. منه تتركب الكائنات وتولد المخلوقات ثم تتطور بنواميس الطبيعة". ثم استطرد بعد التوقف في محطات استنتاجية عديدة "والكائن الأصلي، ان لم يكن هونفسه حركة دائمة فلا يمكن ان يكون شيئا ً. لان عدم الحركة سكون دائم والسكون الدائم هو العدم بعينه. وبما ان الكائن الأصلي هو حركة دائمة لذلك يعجز العقل البشري عن ادراكه. وبناء على ما تقدم فالمادة اذن هي كل ما يظهر في الوجود بحالة مركبة. لذلك لا يمكن ان تكون اصل الكائنات لان المركب نتيجة من حركتين الواحدة منهما عمودية على الأخرى. فالحركتان هما الأصل والنتيجة عنهما هي الفرع. واما الروح فهي الكائن الأصلي المنزه عن كل قيد وتركيب. لذلك هي جوهر بسيط حر في نفسه سرمدي في وجوده وغير محدود ولا مقيد في كيانه. فالحركة اذن هي الوجود بعينه وهي تظهر في كل مظهر من مظاهره. والمواد الهيولية ليست الا قوات الهية متجمعة بنتيجة الواجب ومهدأة بالتصادم. ومتى انفكت هذه المواد من تركيبها فانها تسير الى كل الجهات بسرعة حركتها الأصلية التي شاءت حكمة الخالق ان تكون لها".

وبعد ان يسوق الشهابي امثلة يدلل بها على صحة نظريته يعود فيقول عن الكائن الأصلي: "وبما ان هذا الكائن ليس مقيدا ً بالتركيب ولا محدودا ً بزمان ولا يمكن ولا يوجد كائن آخر يحكم عليه، فهو حر ان يتحرك او ان يكون ساكنا ً. فان كان ساكنا ً فهو كالعدم لأنه اذ ذاك لا يكون له تأثير على نفسه ولا على غيره لأن التأثير لا يكون الا بحركة فاعل على مفعول. واما ان كان متحركا ً، وهو الواقع، فتحركه مرة واحدة لا يكون الا في خط واحد مستقيم فحسب ولا يمكن ان يكون كونا ً ماديا ً لانه اذ ذاك يظل سائرا ً في ذاك الخط الى الابد بدون فائدة. اذن فلكي يبرز ذاته الى عالم الظهور ويوجد كونا ً ماديا ً مثل هذا الكون الذي نحن فيه، يجب عليه ان يتحرك مرة اخرى ويجب ان تكون هذه الحركة الثانية عمودية على الأولى لانها ان لم تكن كذلك فلا يمكن ان يبرز شيء منها الى عالم الظهور ويتحول الى مواد هيولية محسوسة. واما ان كانت الحركة الثانية عمودية على الأولى فانه عندئذ يتحول مجرى الحركتين الى خط منحرف بشبه قوس كما يشاهد ذلك في مجرى الأشياء المرمية بخط افقي. فانها تسير بهيئة قوس بين جاذبية الأرض والقوة الدافعة. وسبب هذا الانحراف والتحول الى هيئة قوس ثم الى دائرة هو لأن ضغط الحركة الواحدة منهما على الأخرى مرافق وملازم لكل نقطة من سيرهما في كل مدة كيانهما. ومتى ظلت هاتان الحركتان او الارادتان جاريتين على هذه الصورة فانه بحكم النتيجة تتحولان الى دائرة متحركة. ومتى تحولتا الى دائرة وكانت الحركة الواحدة منهما ضاغطة على الأخرى، كما هو الواقع، فعندئذ تتماسكان وتتقلصان الى أن تظهر المادة في وسطهما واذ ذاك تكونان كونا ً ماديا ً مثل هذا الكون الذي نراه بعيوننا وندركه بحواسنا. ولذلك نرى انه مهما تركب من هذا الكون، سواء أكان كبيرا ً كالأجرام السماوية، ام صغيرا ً كالجواهر الفردية، فلا يمكن ان يكون الا من دوائر متحركة. واما اذا انفكت هذه الدوائر من تركيبها فانها عندئذ ترجع الى حالتها الاصلية. ولكنها وهي على طريق مصيرها الى تلك الحالة تظهر في اربعة مظاهر: الرماد والنور والحرارة والحياة".

وهنا يشرح عن الرماد والنور والحرارة حتى يصل الى الحياة فيقول: "والحياة هي ذلك الشيء الذي اذ انفك من المادة واتحد مع بعض عناصر الطبيعة يتخذ شكلا ً معلوما ً ويكون اذ ذاك في حالة يصح له معها ان يعيش وينمو ويرتقي. لذلك تظهر الحياة باشكال مختلفة في كل مخلوقات الله. فالحياة اذن هي الصورة الصحيحة من نظام الجسد الحي او بعبارة اخرى هي نتيجة من تركيب بعض من عناصر الطبيعة مع بعض آخر من اشكال مختلفة قابلة للبقاء والثبات على هذه الحالة. حتى اذا اضيف اليها اشياء من جنسها لا تتزعزع ولا تنفك من هذا التركيب بل تنمو وترتقي حسب نتيجة الواجب الى حدود محدودة وحالات مقصودة.

وبناء على ما تقدم فالمواد الهيولية اذن هي كلها من روح الخالق. وما ظهرت في صور مادية الا لأنها تجمعت بنتيجة الواجب وتهدأت بالتصادم. والله ما حول قسما ً من روحه السرمدية الى هذه الصور من الكيان الا لكي يستخرج منها مخلوقات عديدة ومتنوعة. ولكنه ما اراد ان تتناسل هذه المخلوقات الحية الا عن طريق الذكور والاناث كي لا يكون منها شيء في الوجود الأعلى الوجه الأكمل الذي لا يمكن ان يكون الا اذا كان نتيجة واجبة عن عاطفة وارادة ومحبة. فسبحان الله".

هذه الطريقة التي اعتمدها يوسف شهاب في صياغة افكاره، هي تركيب رياضي متماد بمنطق الذكاء، فهي ليست تركيبا ً رياضيا ً فحسب، لأنها لم تقتصر على الافتراضات والثوابت والمتحولات. وليست منطقا ً منهجيا ً، لانها تناولت اكثر من تأكيد صحة الشكل. فيها من الافتراض ما يسوغه المنطق والمعقولية ومن المنطق والتعليل ما يبرر الافتراض واستخدامه والاستنتاج منه. وهي الى ذلك تحتفظ للذكاء بحرية المرور كأنها المنطق الذي فكر به ارسطو لا المنطق الذي علم عنه. طريقة اراني اميل الى اعتبارها ذات طابع شخصي لكثرة ما تنفرد به من خطوط تكوين الطابع. غير انها في مطلق الأحوال طريقة فلسفية تتوسل العقل مرقاة للحقيقة وتصعد من حلقة القاعدة الى حلقة القمة بالترابط المتكامل والافضاء الحتمي المتسلسل.

واذا ما ملت لاعتبار طريقة يوسف شهاب ذات طابع شخصي، فلانها لا تصنف تصنيفا ً كاملا ً في اي من الطريقتين الرئيسيتين في الفلسفة: الوحدانية Monisme والازدواجية Dualisme . فهي ليست وحدانية روحية كالسبنوزية Spinosisme او وحدانية مادية كالماركسية ولا ازدواجية متفاعلة بين الروحية والمادية كالكارتزية Cartésianisme بل هي نسج عقلاني سداه وحدانية روحية اساسية خالقة، ولحمته ازدواجية من نوع خاص تتعايش فيها الروح والمادة بتوافق الآمر المدرك والمنفذ الواثق وتكون فيها الروح ثمرة المادة دون تلازم مصيري. اذ ان المادة تنحل الى ما تركبت منه، والروح تنعتق من الأسر المحدود الذي تكونت فيه وتنطلق الى العالم الروحاني الخالد الذي هو عالم الآخرة.

لم يتعمد فيلسوفنا ان يقتبس من الطريقتين الرئيسيتين في الفلسفة طريقة يعرف بها. لا بل يمكن الجزم بانه لم يلم بأي منهما. واذا كان في ذلك ما يدعو الى بعض الأسف، لأن الابتعاد عن التراث الفكري يخرج الطاقة عن الاسهام في الجهد الانساني التصاعدي المشترك الا انه لا يحول دون الاستفادة، ولو بصورة غير منظمة، من نتاج العقول المتفوقة. ومن كتاب "ما هو الكون" الذي طبع عام 1934 الى كتاب "نور الهدى" الذي لا يزال مخطوطة، يظهر بوضوح ان الشهابي لم يقتبس الا من ذاته ولم يستنطق الا عقله.

آمن بالله كائنا ً اصليا ً واجب الوجود وخالق الكون وما فيه وشرح المادة والروح والنمو والارتقاء والاضداد والنواميس الطبيعية، ساعيا ً الى تحقيق سعادة الانسان بالهداية الى ما آمن به وبسن نظام انساني شامل مقتبس عن القانون الطبيعي.

ولد يوسف شهاب في غرزوز سنة 1876 وتلقى علومه الابتدائية في مدرسة صيدا الاميركية، ثم هاجر مع امه الى الولايات المتحدة الأميركية وهو في الخامسة عشرة من عمره، بقي في المهجر سبع عشرة سنة يغالب الدهر في عيشه وعلمه ولم يحصل منهما على ما تاقت اليه نفسه. قرر ان ينقل معركته مع الدهر الى ارض الوطن فعاد اليه سنة 1908 وتزوج فيه من تقلا ابنة تامر عازار من عرزوز وعاش له منها ابنتان، توفي سنة 1947 وكان معلما ً في مدرسة الثلاثة الأقمار في بيروت. قضى ثمانية وثلاثين عاما ً في التعليم بين جبيل وشويفات وطرابلس وبيروت.

ترك مجموعة من الشعر لم تطبع في ديوان. صور فيها حربه مع الأيام:

ما امهر الدهر في حربي واقدره فكم اغالب ايامي وتغلبني
وما اسح عطاياه واغزرها علي في كل ما يفضي الى حزني
لي من حواس الورى خمس وما عرفت نفسي بها لذة الا عن الأذن
والحس يجزي على مقدار قوته ومنه في القلب ما يكفي ليشعلني
كأنما الدهر لم ينعم علي به في عصر محل له الا ليؤلمني

الى ان يقول:

قد صرت في اسفل الوادي ولست ارى غير التحرك مرقاة الى القنن
رح ايها الحظ وافعل ما تشا فانا أنى تحركني بالرغم ترفعني

كثرة العطايا وغزارتها في كل ما يفضي الى الحزن، تنطوي على جمال بياني والتأكيد على التمتع بالحواس الخمس وحصر معرفة اللذة بحاسة السمع فقط، تبرز صورة جميلة. اما الربط بين انعام الدهر بحس يكفي ليشعل القلب، وجزاء الحس على قدر قوته، وقحل الدهر، والألم، فليس الا تطبيقا ً لنظرية نتيجة الواجب. وفي البيتين الأخيرين تسفر النظرية عن وجهها خلف مناجاة حية يرتاح فيها الامل على قمة اليأس. وفي سبك اطل منه البديع، فاضل بين جمع العلم والمعرفة الى الفقر، وبين جمع المال الى الجهل، ففضل الأول ليجد تعزية لنفسه قال:

وانت يا نسمة الحظ العبوس خذي جسمي وروحي من الدنيا واقصيني
ان كان من اجل معروفي ومعرفتي زدت شقائي فأشقيني وزيديني
فالفقراء والبؤس مع علم ومعرفة خير من المال في ايدي المجانين

واعتز بقومه فقال:

هم الفوا للملا علم الحساب وذا علم له كل علم بات مديونا
والجبر انشوا وما لم ينشئوه فهم زادوه قدرا ً وتعزيزا ً وتحسينا ً
هذا تراث الألى شادوا الفخار لنا فلنبقه فعسى ذكراه تجدينا

وقال في الحجاب:

ما برى الحق، للتقيد مروحا فنظام التقييد شرع الجناة
لا تظنوا بان حجب الغواني يحفظ النفس من اذى المفسدات
لا يصون العفاف سمك حجاب لا ولا الضغط يردع الفاسدات
كم نساء يزيدهن التخفي متعة فوق متعة السافرات
صبوة القلب لا يقيها حجاب لا ولا شيء من قوى الرادعات
حارس الخلق في الضمائر لا في مفزعات وانظم خارقات

وهنا يبرز مبدأ من مبادئه الاصلاحية التي تضمنها كتاب "نور الهدى" انطلاقا ً من ان الروح في الانسان تكونت في جسده لتبقى مقيدة فيه حتى انفكاكه. وانها مخيرة في هذا النطاق للترقى بالاضداد التي تهيئها الطبيعة للجسد حتى تخلق فيه الغرائز. والنظام الصحيح في نظره هو ما يراعي سنن الطبيعة ويساعد الروح على الترقي لا ما يقيد حريتهما.

وقال في الغزل:

انت يا عين في الوجود بعيني معدن اللطف والحلا والبهاء
انت روحي وراحتي وابتهاجي انت قصدي ومنيتي ورجائي
انت ربي وفي يديك حياتي ولك الامر افعلي ما تشائي

ويتوقف عند كلمة "تشائي" ليشرح حذف النون بأنه للاكتفاء والاستغناء بدلالة المقام. وانتهز انا فرصة التوقف هذه لأشير الى الجناس في صدري البيتين الأولين والى تصعيد تولية الحبيب حتى على الحياة للدلالة على مدى الفعل الذي ترك له الأمر به.

الى ان يقول:

اي نفع من فرصة العمر ان لم يك للحب اكثر الاجزاء
رتبة القلب فوق كل مقام وسنا الحب فوق كل سناء
هات يا دهر منك قسمي بحبي واعط غيري ما ظل لي من بقائي
انا ان عشت دون حب فلا فرق لنفسي في عيشة او فناء
من يقضي الحياة دون حبيب هو ميت في صورة الاحياء
لذة العمر نشوة فلذا ما عافها المرء عاف كل الهناء
كل ما عد من جمال ولذ هو وهم من دون حاء وباء

وتظهر فكرة فاعلية الحب في الحياة التي توزعت في هذه الأبيات، مجموعة في الابيات الثلاثة التالية:

اعز الخلق في الدنيا النساء فهن الارض عندي والسماء
فلولاهن ما في الأرض حسن ولا عمل يفيد ولا ارتقاء
ولا شيء يلذ ولا هناء ولا ما يستحق له البقاء

كأنه يشاطر فرويد Freud في نظرته للجنس، لا بل اكاد اقول انها طليعة "الهيبية" من حيث النظرة الفلسفية، لو لم تكن استطرادا ً ولو كليا ً لنظرية "نتيجة الواجب".

وهذا ما يؤكد لنا شخصية يوسف شهاب الفلسفية التي طغت فيه على ما عداها حتى لم يتمكن من الظهور الا بها. فشعره سادت فيه الفكرة وان تحلى بالجرس والايقاع، وجرى فيه الطباق والجناس، وتخللته بعض الصور ولم تقاطعه النجوى. لا بل يظهر بوضوح ان الشعر عنده لم يكن الا حلة لأفكاره.

والآن، هل في ما قاله يوسف شهاب، عن الخالق والكون والمادة والروح، ما يجيب الانسان على تساؤله الأزلي؟

هذا ما جعلني اكثر من الاستشهاد بما قال وابدأ وانتهي بما قاله "كميني" لقد وضع العلم نصب عينيه هدفا ً ملهما ً. ان يلم بالقانون الطبيعي، ولن يستطيع بلوغه البتة، غير ان بامكانه ان يتقارب منه اكثر فاكثر والى ما لا نهاية له.

منير حنا برباري
Sat Sep 06, 2014 12:25 pm View user's profile Send private message Send e-mail Visit poster's website
Display posts from previous:    
Reply to topic     discoverlebanon.com Forum Index » لبنان ... باللغة العربية
   
Page 1 of 1

 
Jump to: 


 
 
  Panoramic Views | Photos | Ecards | Posters | Map | Directory | Weather | White Pages | Recipes | Lebanon News | Eco Tourism
Phone & Dine | Deals | Hotel Reservation | Events | Movies | Chat |
Wallpapers | Shopping | Forums | TV and Radio | Presentation


Copyright DiscoverLebanon 97 - 2020. All Rights Reserved

Advertise | Terms of use | Credits