Back Home (To the main page)

Souvenirs and books from Lebanon
 

Sections

About us

Contact us

 
 
SearchFAQMemberlistUsergroupsLog in
Qana Al Jaleel - Maqam Al Nabi Omran Qlayle

 

 
Reply to topic     discoverlebanon.com Forum Index » لبنان ... باللغة العربية
  View previous topic
View next topic
Qana Al Jaleel - Maqam Al Nabi Omran Qlayle
Author Message
admin
Site Admin


Joined: 09 Mar 2007
Posts: 529
Location: Jbeil Byblos

Post Qana Al Jaleel - Maqam Al Nabi Omran Qlayle Reply with quote
قانا الجليل - عرس قانا الجليل


Antoine Emile Khoury Harb
The Maronites - History and Constants


أولى المعجزات التي حققها المسيح في بدء رسالته، حدثت في "قانا الجليل"، حيث أظهر مجده وعلى أثرها آمن به تلاميذه. يروي يوحنا الانجيلي كيفية حدوث تلك المعجزة فيقول:

"وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك. فدعي يسوع وتلاميذه الى العرس. وفرغت الخمر، فقالت أم يسوع له: ليس عندهم خمر. فقال لها يسوع: ما لي ولك يا امراة؟ لم تأت ساعتي بعد. فقالت أمة للخدام: مهما يأمركم به، فافعلوه. وكان هناك ست أجاجين من حجر، موضوعة بحسب تطهير اليهود، تسع كل واحدة منها مكيالين أو ثلاثة. فقال لهم يسوع: املأوا الأجاجين ماء. فملأوها الى فوق. فقال لهم: استقوا الآن وناولوا رئيس المتكأ، فناولوا. فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمرا ً ولم يكن يعلم من أين هو، وأما الخدام الذين استقوا الماء فكانوا يعلمون، دعا رئيس المتكأ العروس وقال له: كل انسان انما يأتي بالخمر الجيد أولاً، فاذا سكروا فعند ذلك يأتي بالدون، أما أنت فأبقيت الخمر الجيد الى الآن. هذه الآية الأولى التي صنعها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده فآمن به تلاميذه".

موقع قانا الجليل

ان أقدم نص في العهود المسيحية يحدد موقع بلدة قانا، يعود الى المؤرخ الأول للكنيسة أوسابيوس Eusebius (265-339) أسقف قيصرية فلسطين، وقد ورد هذا النص في معجمه الشهير في الجغرافية التوراتية المعروف باسم" أونوماستيكون" Onomasticon الذي يتناول أسماء الأماكن المذكورة في الكتاب المقدس.

يورد النص، مترجما ً عن اليونانية، ما يلي:

"قانا، حتى صيدون الكبرى، في حصة أرض أشير. في هذا المكان حول ربنا والهنا يسوع المسيح الماء الى خمر. ومنها أيضا ً كان نثنائيل. وهي قرية ملجأ من الجليل".

وحوالى سنة 390م. قام العالم التوراتي الشهير القديس ايرونيموس Hieronimus – St Jerome (347-420) بنقل مؤلف "الأونوماستيكون" الى اللغة اللاتينية، وقد أكد ما قاله أوسابيوس بخصوص قانا بعد اضافة بعض الايضاحات:

"قانا، حتى صيدون الكبرى. وتوجد أيضا ً أخرى صغرى. وللتمييز بينهما دعيت هذه كبرى. وكانت قانا تتبع سبط أشير أيضا ً. وفيها حول ربنا ومخلصنا الماء الى خمر. ونثنائيل أعلن بشهادة مخلصنا اسرائيليا ً حقيقيا ً. وهي اليوم قرية في جليل الأمم".

القديس ايرونيموس هو أول من ترجم العهدين القديم والجديد الى اللغة اللاتينية. ولا يزال النص الذي وضعه والمعروف بال Vulgate معتمدا ً في الكنيسة الغربية اللاتينية بأسرها. ولم يكن ايرونيموس أقل معرفة بجغرافية فلسطين ومواقعها من أوسابيوس الذي أمضى القسم الأكبر من حياته في فلسطين ليتعرف عن كثب الى البيئة الانجيلية وتاريخها ولغاتها وتقاليدها. ويلاحظ في ترجمته النص العائد الى قانا أنه سعى أن يكون أكثر دقة في تحديد موقعها مما ورد في نص سلفه.

نظرا ً الى ما للعالمين أوسابيوس القيصري والقديس ايرونيموس من مكانة دينية رفيعة والى سعة المامهما بالتاريخ التوراتي وبجغرافية الأراضي المقدسة، والى ما عرفا به من دقة في البحث والتحري والتوثيق العلمي، اضافة الى اسبقيتهما في الكلام على قانا بالنسبة الى غيرهما من باحثين وحجاج وسياح، فان لشهادتيهما قوة حاسمة في موضوع قانا من حيث تحديد موقعها وعلاقتها بسيرة حياة السيد المسيح وبالمعجزة التي حدثت فيها. واستنادا ً الى شهادة أوسابيوس وايرونيموس يمكن تأكيد الحقائق الآتية:

أولا ً: ان بلدة قانا التي تبعد حوالى 11 كلم جنوبي شرقي مدينة صور تقع في "جليل الأمم" الممتد شمالا ً حتى صور ومنطقتها بحسب المصادر والمراجع التلريخية الموثوقة التي ذكرت سابقا ً في مجال تحديد منطقة الجليل. لذلك تلازم اسم "قانا" مع"الجليل". وقد يكون في هذا التعيين الجغرافي لبلدة قانا تمييز لها عن قانا أخرى ورد ذكرها في العهد القديم - سفر يشوع وتقع عند الخط الفاصل بين قبيلتي افرايم ومنسى (أي خارج منطقة الجليل)، وهي المعروفة حاليا ً ب"وادي قانا".
ثانيا ً: ان قانا تقع على طريق "صيدون الكبرى" كما عين موقعها يشوع بن نون، وهي، تاليا ً، قريبة من الطريق الساحلية المعتمدة منذ القدم والتي تمتد بموازاة الشاطىء الفينيقي الفلسطيني - اللبناني مرورا ً بمدنه الرئيسة حتى "صيدون الكبرى".

ثالثا ً: ان قانا تقع في أرض أشير. وبحسب الكتاب المقدس فان "سبط بني أشير... كان تخمهم... ينفذ الى كابول شمالا ً والى عبدون ورحوب وحمون وقانا الى صيدون الكبرى ويعطف التخم الى الرامة والى المدينة المحصنة صور...". وأرض أشير التي تقع في منطقة الجليل تتوافق حدودها الجنوبية والشمالية الى حد كبير مع الحدود الجنوبية والشمالية لمنطقة الجليل، بينما تحدها شرقا ً أراضي زبولون ونفتالي. استطرادا ً، لا بد من الاشارة الى أن البلدتين "خربة قانا" و"كفركنا" اللتين ترجع بعض المصادر أن تكون احداهما "قانا الجليل" أي قانا العرس، تقع كلتاهما في أرض زبولون، لا في أرض أشير، مما يناقض شهادة أوسابيوس القيصري الذي يعين قانا العرس في أرض أشير. وفي خريطة ملحقة بالكتاب المقدس وهي الطبعة الأكثر تداولا ً والمعتمدة من قبل الكنيسة الكاثوليكية، عين موقعا "كفركنا" و "خربة قانا" في فلسطين تحت اسم "قانا" ولكن مع علامة استفهام مقابل كل من البلدتين بسبب الشك الذي لا يزال قائما ً لدى علماء جغرافية الأراضي المقدسة في تعيين الموقع الصحيح ل قانا العرس. والتضارب في الآراء حول أي من البلدتين هو مكان الأعجوبة، "كفركنا" أم "خربة قانا"، يدل على عدم توافر أدلة علمية كافية وافية لحسم الموضوع.

وثمة بعض أصحاب الرأي ممن يستبعدون أن تكون "قانا" صور هي "قانا" العرس بحجة أنها تبعد عن كفرناحوم حوالى 90كلم، وهي مسافة تبدو في نظرهم طويلة ومن غير المعقول أن يقطعها المرء لكي يحضر مجرد عرس وبخاصة بالنسبة لأم يسوع التي كانت حاضرة الى جانب ابنها. وهم يرجحون أن تكون احدى البلدتين، "خربة قانا" أو "كفركنا"، هي مكان العرس لأن الأولى لا تبعد سوى 35كلم تقريبا ً عن كفرناحوم والثانية حوالى 40 كلم. لكن هذه المسافة الفاصلة بين "قانا" صور وكفرناحوم والتي تبدو طويلة، هي في الواقع البرهان الأقوى الذي يثبت النظرية القائلة ان مكان حدوث الأعجوبة هو "قانا" صور وليس"كفركنا" أو "خربة قانا". هذا الدليل الجغرافي يأتينا من مصدرين: الأول، من الانجيل المقدس، والثاني من تاريخ فلافيوس يوسيفوس المؤرخ اليهودي المعاصر للمسيح:

1- يذكر يوحنا الانجيلي أن يسوع بعد "أن صنع الآية الأولى في قانا الجليل وأظهر مجده"، ذهب الى أورشليم لعيد فصح اليهود، ثم عاد الى منطقة الجليل "وأتى أيضا ً الى قانا الجليل حيث صنع الماء خمرا ً. وكان رئيس للملك ابنه مريض في كفرناحوم. فسمع أن يسوع قد جاء من يهوذا الى الجليل، فانطلق اليه وسأله أن ينزل ويبرىء ابنه لأنه كان قد قارب الموت. فقال له يسوع: ان لم تعاينوا الآيات والعجائب لا تؤمنون: فقال له الرئيس: يا رب انزل قبل أن يموت ولدي. فقال له يسوع: امض فان ابنك حي. فآمن الرجل بالكلمة التي قالها يسوع له ومضى. وفيما هو منحدر، استقبله غلمانه وبشروه قائلين: ان ابنك حي. فاستخبرهم في أية ساعة أخذ في العافية، فقالوا له: أمس في الساعة السابعة (أي الساعة الواحدة بعد الظهر) فارقته الحمى. فعرف الأب أنها الساعة التي قال له فيها يسوع ان ابنك حي فآمن هو وأهل بيته جميعا ً. هذه أية ثانية صنعها يسوع بعد مجيئه من اليهودية الى الجليل".

اذا حسبنا الوقت الذي استغرقه الرئيس أو القائد، مسافرا ً سيرا ً على الأقدام (غير مستعجل)، فيكون قد قطع المسافة بين قانا، حيث قابل المسيح، وبين كفرناحوم، حيث كان ابنه في مدة لا تقل عن ثماني عشرة أو عشرين ساعة: من الساعة الواحدة بعد الظهر ("الساعة السابعة") من اليوم السابق ("أمس") حتى منتصف الليل أي ما يعادل مسيرة نصف يوم (حوالى 12 ساعة)، وقسما ً من اليوم التالي (حوالى 6 ساعات)، أي ما مجموعه لا أقل من ثماني عشرة ساعة. واذا اعتبرنا أن الانسان يقطع مسافة اربعة أو خمسة كيلومترات تقريبا ً في الساعة سيرا ً عاديا ً على الأقدام، تكون المسافة بين قانا وكفرناحوم نحو تسعين كيلومترا ً (4 أو 5 كلم×18 أو 20 ساعة = معدل 90 كلم)، وهذه هي في الواقع المسافة الفاصلة بين قانا صور وكفرناحوم. أما المسافة بين كفركنا أو خربة قانا وكفرناحوم فهي تتراوح بين 35و 40 كلم بحسب ما يؤكده العلماء والجغرافيون والذين زاروا المنطقة من حجاج أو سياح في الماضي والحاضر. وهذه المسافة لا تتطلب كل الوقت (حوالى 18 ساعة على الأقل) الذي صرفه غلمان الرئيس أو خدامه الذين استعجلوا ابلاغ سيدهم نبأ شفاء ابنه. وفي حال ترجيح أي من البلدتين "كفر كنا" أو "خربة قانا" باعتبارهم قانا العرس، فان النص الانجيلي يصبح في حالة تناقض مع الواقع المادي الميداني.

2- هناك دليل جغرافي آخر نتبينه من تاريخ يوسيفوس يثبت أن "قانا الجليل" أو "قانا العرس" هي "قانا صور" استنادا ً الى حساب المسافة بين قانا وبحيرة طبريا:
كان يوسيفوس (37-100م) حاكما ً للجليل في اثناء ثورة اليهود ضد الرومان في الستينيات من القرن الأول الميلادي. يذكر يوسيفوس في كتابه "حياة يوسيفوس" الذي يتضمن سيرة حياته الذاتية، أنه كان في مقره في قانا الجليل عندما جاءه رسول من قبل عامله في مدينة طبريا يبلغه أن يوحنا الجشي (نسبة الى بلدة الجش) يدبر مؤامرة ضده، ويحثه على الاسراع في المجيء الى طبريا لتدارك الأمر واحباط المؤامرة. ويذكر يوسيفوس في تاريخه ما حرفيته: "...وأنا، حالما وصلتني الرسالة المذكورة، سرت بسرعة كلية طوال الليل فبلغت مدينة طبريا عند الصباح...". فعبارة "طوال الليل" تعني عشر ساعات على الأقل مع الاشارة الى أن يوسيفوس كان يسير"بسرعة كلية". ان المسافة بين "كفركنا" وطبريا هي 20 كلم تقريبا ً وبين "خربة قانا" وطبريا هي حوالى 23كلم. وهذه المسافة لا يستلزم قطعها اكثر من اربع ساعات سيرا ً على الأقدام بالسرعة العادية. أما اذا كان المسافر ممتطيا ً جوادا ً ومسرعا ً كما كانت حالة يوسيفوس، فلا تستلزم المسافة المذكورة أكثر من ساعتين. وهكذا يظهر بوضوح ان كلام يوسيفوس لا ينطبق لا على "كفر كنا" ولا على "خربة قانا" وانما على "قانا" اللبنانية المجاورة لمدينة صور، فضلا ً عن أن الاسم الوارد في نص يوسيفوس عدة مرات هو "قانا"، وليس "كفركنا" أو"خربة قانا".

المعالم الأثرية في قانا

تقوم بلدة "قانا" صور حول مرتفع يعلوه مقام ديني صغير يعرف ب "مقام الجليل"، تظلله شجرة ميس، ويكرم أبناء المنطقة هذا المقام ويدفنون أمواتهم بجواره تيمنا ً به.

وقد تكون في اسم "الجليل" اشارة الى أحد الأولياء، كما يرجح أن يكون سبب نسبة "قانا" الى "الجليل" وتلازم الاسمين معا ً، وجود "مقام الجليل" في بلدة "قانا". وهذه النظرية حول التسمية لا تنفي أخرى ترجح نسبة "قانا" الى "منطقة الجليل"، باعتبار أن البلدة تقع ضمن تخومها. وتجدر الاشارة الى أن هناك عشرات المدن والقرى في لبنان تشير أسماؤها الى أولياء وأنبياء، كرمهم اللبنانيون منذ العصور القديمة وشيدوا لهم معابد ومقامات لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم. ومن أسماء هذه الأماكن: النبي أيلا، النبي أيوب، النبي حام، النبي رشادة، النبي ركاب، النبي زعور، النبي سباط، النبي سابا، النبي شيت، النبي شمليخ، النبي سميلة، النبي صافي، النبي ميش، النبي يونس... والمرجح ان يكون "مقام الجليل" قد شيد على أنقاض معبد قديم، نظرا ً الى انتشار حجارة ضخمة وبقايا أعمدة في جوار المقام، اضافة الى وجود بئر عميقة أمام المقام يصل عمقها الى عشرين مترا ً، ومعاصر وأجران حجرية يظهر قسم منها من بين الأتربة المتراكمة في هذا المكان.

في خراج بلدة قانا، آثار مقلع حجري لا تزال معالم تقصيب حجارة مربعة الشكل وأعمدة أسطوانية، بادية فيه حتى اليوم. وتجدر الاشارة الى أننا نجد مقالع صخرية بالقرب من معظم المعابد القديمة في لبنان كانت تستخرج منها الحجارة الضخمة والأعمدة التي استعملت في بناء تلك المعابد، كما في "بعلبك" و "نيحا" و"تمنين الفوقا" و"قصرنبا" و"كفرزبد" و"السفيره" و"الدكوه" و"فقرا" وغيرها...

من بين الآثار الظاهرة في بلدة قانا بالقرب من مقام الجليل، أجران حجرية كالتي يصفها النص الانجيلي، والتي حول المسيح فيها الماء خمرا ً، ويتناسب حجمها مع سعة الأجران المذكورة في الانجيل أي مكيالين أو ثلاثة. ويساوي المكيال 4 ليترا ً، فتكون السعة ما بين 80 و 120 ليترا ً. وهذه الأجران الحجرية أو الأجاجين التي يبلغ عددها ستة كما يذكر الانجيل، لا تكون عادة داخل البيت لأنه يصعب أن يتسع لها، وانما توجد في الساحة العامة ليتوافر للجميع الاستقاء منها. وموقع الساحة العامة يتوافق مع ساحة المعبد حيث يجتمع الناس لاقامة الحفلات، ومنها حفلات العرس. ووجود الأجاجين بالقرب من "مقام الجليل" ، المبني على الأرجح فوق المعبد القديم، يساعد في تحديد المكان الذي جرت فيه معجزة تحويل الماء خمرا ً.

على مسافة لا تتعدى الكيلومترين الى الشمال الغربي من بلدة قانا الجليل، وفي أعلى المنحدر القوي المشرف على وادي قانا (وادي "عاشور") أرض صخرية وعرة على واجهة مجموعة من صخورها نقوش نافرة من صنع يد الانسان. وتبرز في هذه النقوش، أشكال أشخاص يبلغ عددهم نحو 35 شخصا ً، الى جانب حوالى 18 نصبا ً، اضافة الى محفورات غير مكتملة.

درس هذه النقوش عدة علماء وباحثين، محاولين تقدير تاريخها وتفسير مغزاها. وقد رجح بعض هؤلاء، استنادا ً الى طراز لباس الأشخاص الممثلين والمألوف في العهد الروماني، والى المقارنة بمحفورات أخرى مشابهة، أن تعود هذه النقوش الى أوائل العهد الروماني أي الى القرن الأول الميلادي.
أما بالنسبة الى احتمال أن تكون نقوش وادي قانا أنصابا ً مدفنية، فقد أثبتت الحفريات الأثرية والأسبار التي أجريت خلال عام 2000 أمام الواجهات الصخرية التي تحمل النقوش، باشراف المديرية العامة للآثار في بيروت، خلو هذه البقعة من أي أثر لمدافن صخرية، ما ينفي بشكل قاطع نظرية "الأنصاب المدفنية". واستطرادا ً، فان هذه المحفورات لا بد أن يكون لها مدلول رمزي، وبالتحديد مدلول ديني، اذ أن أحد الأشخاص يظهر رافعا ً يديه الى السماء ضارعا ً مبتهلا ً، وآخر يبدو حافي القدمين، كما الزاهد الورع.

على صخرة مستقلة في موقع وسطي بين المحفورات التشخيصية والأنصاب. نقش يمثل مجموعة أشخاص متوازين يبلغ عددهم اثني عشر شخصا ً، بينهم شخص بارز الحجم ما يدل على بروز مكانته، أربعة الى يساره وثمانية الى يمينه. ويحد طرفي النقش نصبان مخروطيان صغيران. والملاحظ أن هذه اللوحة الصخرية لا تمثل عملا ً فنيا ً مستقلا ً ولا يبدو أن الذي نقشها سعى الى ابراز ملامح الأشخاص لتمييز أعضائهم أو شكل لباسهم كما هي حالة المحفورات الأخرى. وهذا يجعل للنقش مدلولا ً رمزيا ً يعبر عن فكرة ما، ويحمل على الاعتقاد بأنه يمثل يسوع وتلاميذه الاثني عشر. ويمكن اعتبار نقش صخرة قانا الجليل أقدم أثر مسيحي من نوعه لا يزال باقيا ً حتى يومنا هذا، وهو رمز يسبق كل رمز آخر تبنته المسيحية فيما بعد.

على بعد أمتار قليلة، تحت الصخرة الكبيرة، وفي الجهة الشرقية الشمالية منها، مغارة صخرية منفتحة على المنحدر تطل على وادي قانا. وهذه المغارة متوسطة الحجم عند مدخلها، تضيق كلما توغلنا في داخلها وتمتد عميقة من الناحية الخلفية باتجاه الغرب. والمرجح أن تكون قد استعملت كمسكن لانسان العصر الحجري القديم حيث وجدت آثار لهذا الانسان القديم. ويحتمل ايضا ً أن يكون المسيحيون الأولون قد لجأوا الى هذه المغارة عندما كانوا "يتخلون عن ممتلكاتهم لأقاربهم ويودعون كل اهتمامات الحياة ويخرجون خارج الأسوار فيجعلون مقراتهم في الصحاري والبراري"كما يذكر أوسابيوس القيصري، نقلا ً عن فيلون Philon المعاصر للمسيح وللمسيحية الأولى. وقد يكون هؤلاء المسيحيون هم الذين نقشوا في صخور تلك المنطقة هذه الرسوم التشخيصية الرمزية لتشهد على علاقة السيد المسيح وعلاقتهم ب "قانا الجليل".

حصلت معجزة قانا الجليل في بدء مسيرة يسوع العلنية وكانت "أولى آياته" وبها أظهر مجده. لقد تحققت هذه الآية تلبية لارادة أم يسوع على الرغم من تحفظ ابنها في البداية: "ما لي ولك يا امرأة! لم تأت ساعتي بعد". هذا الأمر يستدعي التساؤل حول علاقة مريم بقانا، بأهل قانا وبالمعنيين بعرس قانا. يقول يوحنا الانجيلي أن يسوع "دعي" الى العرس مع تلاميذه بينما أمه لم تدع لأنها كانت "هناك" في قانا، "فلو كان السبب الوحيد لوجود مريم العذراء في قانا هو حضور العرس لكانت دعيت مثل غيرها الى حضوره أو حتى قبل غيرها". كما يتبين من النص الانجيلي أن العذراء مريم أبدت اهتماما ً شخصيا ً بأهل العريس عندما علمت أنه "لم يعد عندهم خمر" وطلبت باصرار من ابنها أن يتدخل لانقاذ الموقف ويقوم بما قام به. على الرغم من معرفتها أن ساعته لم تأت بعد. وهذا ما يؤكد على العلاقة الوثيقة والشخصية التي كانت تربط العذراء بأهل العريس. ولتفسير ذلك، يذهب بعض المؤرخين والباحثين في التاريخ الكنسي الى أن أصل العذراء مريم هو من قانا الجليل، وأن القديس يوسف نفسه الذي كانت تربطها به قربى عائلية اضافة الى أنه خطيبها وزوجها، كان من قانا. كما يؤكد بعض الباحثين ومفسري الكتاب المقدس ان العريس كان سمعان القانوني، احد تلاميذ السيد المسيح، والملقب ب "الغيور" (متى، 4:10؛ لوقا، 6: 15) وهو ذاته نتنائيل.

مقام "النبي عمران" في القليلة

من الدلائل المادية التي تسهم في القاء الضوء على علاقة مريم أم المسيح بقانا ومنطقتها، وجود مقام ديني باسم "عمران" في خراج بلدة قانا يكرمه أبناء المنطقة المسلمين باعتباره والد مريم، أم "المسيح عيسى". أما في ما يتعلق بنسبة مريم الى عمران، فقد ورد في القرآن الكريم، في "سورة آل عمران" ما يلي:

"... ان الله اصطفى آدم ونوحا ً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين، نرية بعضها من بعض والله سميع عليم. اذ قالت امرأة عمران: رب اني نذرت لك ما في بطني محررا ً فتقبل مني انك أنت السميع العليم. فلما وضعتها قالت: رب اني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى، واني سميتها مريم واني أأعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا ً حسنا ً... واذ قالت المليكة: يا مريم، ان الله اصطفاك على نساء العالمين... ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها ً في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ً من الصالحين. قالت: رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر. قال: كذلك الله يخلق مايشاء، اذا قضى أمرا ً فانما يقول له: كن فيكون، ويعلمه الكتب والحكمة والتوراة والانجيل".
استنادا ً الى النص القرآني، "عمران" هو والد مريم، الذي هو "يواكيم" في التقليد المسيحي المستمر حتى اليوم. وتجدر الاشارة الى أن الأناجيل المنحولة وحدها هي التي تذكر اسمي "يواكيم" و"حنة" والدي السيدة العذراء، وتعيد لهما الكنيسة في 9 أيلول من كل سنة في اليوم الذي يلي عيد مولد ابنتهما مريم. أما الأناجيل القانونية الأربعة وباقي كتب العهد الجديد، فلا تذكر شيئا ً عن والدي مريم ولا حتى اسمهما. ويذكر المؤرخ العربي الامام ابو جعفر الطبري أن "عمران تزوج حنة بنت فاقود، فولدت له مريم العذراء...". ويذكر المسعودي أيضا ً "أن حنة، زوجة عمران، ولدت له مريم وأشباع. وتزوجت اشباع زكريا وولدت له يحيى (يوحنا المعمدان). فيكون بذلك يحيى ابن خالة السيد المسيح".

على مسافة حوالى 8 كيلو مترات جنوبي مدينة صور، وعلى تلة قريبة من بلدة قانا شيد مسلمو المنطقة اثر الفتح العربي مقاما ً دينيا ً يضم، بحسب التقاليد الاسلامية، ضريح "عمران" (يواكيم) والد السيدة العذراء وزوجته حنة، ويعرف ب "مقام النبي عمران". وكانت تحيط بالمقام مزرعة سميت "مزرعة عمران" نسبة الى صاحب المقام، وكانت تابعة لبلدة قانا. وخلال الحرب العالمية الأولى تعرضت المزرعة للاندثار بعد أن انتقل أهلها الى بلدة "القليلة" المجاورة. لكن مقام "النبي عمران". بقي قائما ً بين الاطلال. وبعدما توسعت بلدة "القليلة" وامتدت أبنيتها الحديثة من جهة الشرق، أصبحت متصلة ب "مزرعة النبي عمران" التي تحولت الى حي من أحياء "القليلة".

شيد البناء بشكله الحالي لمقام النبي عمران في العهد العثماني، تعلوه قبة خضراء، وهو يتضمن بقايا معمارية قديمة مما يدل على أن المقام رمم في مراحل سابقة. ويتألف المقام من قسمين: قسم قديم في داخله غرفة أولى تضم قبر النبي عمران، وهو عبارة عن هيكل خشبي في داخله قبر من الرخام، يحيط بهما سياج من الحديد المشبك، وغرفة ثانية صغيرة في حائطها الجنوبي محراب يسمى غرفة "أم النبي". في هذه الغرفة يوجد مدفن خاص يضم، بحسب التقاليد، رفات أم النبي عمران. ويشتمل القسم الحديث من البناء على غرفتين للصلاة ومشارب وأمكنة للوضوء وحمامات. وعلى جانبي مدخل المقام تاجان رخاميان من الطراز الكورنثي يرجح أنهما من بقايا كنيسة بيزنطية، اضافة الى عتبة ضخمة فوق المدخل تعود الى بناء قديم سابق. وتعلو العتبة قطعة رخامية مستطيلة كانت تشكل جزءا ً من مذبح Chancel كنيسة بيزنطية. وبالقرب من المقام بقايا آثار مبعثرة، منها حجارة عليها نقوش ورموز مسيحية وقطع من الزجاج الملون وألواح حجرية وقطع أعمدة عليها كتابات يونانية.

في 18 نيسان 1996، تعرضت منطقة الجنوب اللبناني للقصف الاسرائيلي (الذي أدى الى محرقة قانا الكبرى)، ووقعت قذيفة كبيرة بالقرب من مقام النبي عمران، أحدثت حفرة عميقة كشفت عن وجود نفق تحت الأرض وأعمدة من الرخام تعود لبناء قديم. وقد تبين للأثريين الذين قاموا بدراسة الموقع أن هذا البناء هو كنيسة تعود الى العهد البيزنطي، تغطيها فسيفساء ملونة تظهر فيها صلبان ورموز مسيحية. ويرجح أن تكون هذه الكنيسة قد ضمت رفات والدي مريم، يواكيم وحنة وأقاربها، استنادا ً الى التقاليد المحلية والى القرائن الاستدلالية التي توفرها المعالم الأثرية المسيحية المكتشفة حديثا ً.

لكن المعطيات الأساسية التي يعتمد عليها في ترجيح هذه النظرية فانها اسلامية في مرجعيتها وليست مسيحية الى حين توافر معطيات جديدة. فالمسلمون العرب الذين تعرفوا الى هذه الكنيسة اثر فتوحاتهم في القرن السابع الميلادي وسيطرتهم على الجنوب اللبناني، وبما فيه قانا ومنطقتها، والتزاما ً منهم بالتقاليد التي تقضي بالحفاظ على المقامات الدينية المسيحية المقدسة، فقد شيدوا على أنقاض الكنيسة التي كان قد أصابها الاهمال والخراب، مقاما ً دينيا ً ضم ضريح عائلة "يواكيم " الذي يعرف في الاسلام باسم "عمران" كما ورد في القرآن الكريم. وهذا المقام الديني الاسلامي، مقام "النبي عمران". وما يوحي به من أهمية بالنسبة الى التراث المشترك المسيحي- الاسلامي، يمكن اعتباره الشاهد الوحيد الباقي على وجود معلم أثري ديني مسيحي ضاع في غياهب الزمن واندثر. وتعود أسباب هذا الضياع الى عوامل عدة منها:

1- أن المسيحيين المتهودين في القرون المسيحية الثلاثة الأولى ومسيحيي الغرب فيما بعد، ركزوا اهتمامهم على أورشليم والناصرة وبيت لحم اليهودية والمناطق المحيطة بهذه المحاور الروحية الثلاثة والبعيدة عن منطقة قانا حيث مقام " النبي عمران" (يواكيم).

2- أن الحجاج الى الاراضي المقدسة، ومنذ أواسط القرن الرابع، لم يذكروا شيئا ً عن ضريح يواكيم وحنة وعائلتهما لأن الأناجيل القانونية لم تذكر عنهم شيئا ً، اضافة الى جهل هؤلاء جغرافية المنطقة.

3- أن الكنيسة المسيحية التي كانت تحوي الضريح الذي يضم يواكيم وعائلته خربت واندثرت بفعل الزلازل والحروب والصراعات الدينية والمذهبية التي عرفتها المنطقة خلال القرون الوسطى.

4- منذ أواسط القرن السابع للميلاد، طغى الاسلام على هذه المنطقة وتغير اسم صاحب الضريح، أي "يواكيم". وأخذ اسمه المسلم "عمران" المذكور في القرآن. ولعل التسمية الاسلامية "عمران" والطابع الاسلامي اللذين غلبا على المقام، حجبا حقيقة الأمر عن أعين المسيحيين من مؤرخين ومفسري الانجيل وعلماء آثار غربيين وغيرهم...

5- أن التنقيبات الأثرية في لبنان منذ الاستقلال ركزت بشكل خاص على المدن الرئيسية الساحلية وأهملت المناطق الأخرى في أطراف البلاد.

وفي انتظار أن يبادر المسؤولون عن الآثار في لبنان الى اتخاذ الخطوات العملية الآيلة الى الكشف العلمي الميداني عن المعالم الأثرية في "القليلة" حيث مقام "النبي عمران"، ودراستها من قبل اختصاصيين، يستمر المؤمنون، والمسلمون منهم تحديدا ً، في الحج الى المقام للتبرك به. هذا المقام يشهد على تراث ديني مشترك بين المسيحية والاسلام قل نظيره، ويزيد تأكيدا ً على أن لبنان ارض مقدسة، أرض رسالة وحوار.
Tue May 10, 2011 10:50 am View user's profile Send private message Send e-mail Visit poster's website
Display posts from previous:    
Reply to topic     discoverlebanon.com Forum Index » لبنان ... باللغة العربية
   
Page 1 of 1

 
Jump to: 


 
 
  Panoramic Views | Photos | Ecards | Posters | Map | Directory | Weather | White Pages | Recipes | Lebanon News | Eco Tourism
Phone & Dine | Deals | Hotel Reservation | Events | Movies | Chat |
Wallpapers | Shopping | Forums | TV and Radio | Presentation


Copyright DiscoverLebanon 97 - 2020. All Rights Reserved

Advertise | Terms of use | Credits