Back Home (To the main page)

Souvenirs and books from Lebanon
 

Sections

About us

Contact us

 
 
SearchFAQMemberlistUsergroupsLog in
Lebanon's role in the history of silk

 

 
Reply to topic     discoverlebanon.com Forum Index » لبنان ... باللغة العربية
  View previous topic
View next topic
Lebanon's role in the history of silk
Author Message
admin
Site Admin


Joined: 09 Mar 2007
Posts: 529
Location: Jbeil Byblos

Post Lebanon's role in the history of silk Reply with quote
دور لبنان قي تاريخ الحرير - منشورات الجامعة اللبنانية بقلم الأمير موريس شهاب

توطئة

غاية هذا الكتاب اعطاء لمحة عامة عن تارخ الحرير، وما رافقه من حوادث سياسية، وأحاط به من ظروف اقتصادية. وقد توخينا منه أيضا ً ابراز الدور الرئيسي الذي مثله لبنان في هذا الحقل عبر الاجيال. فان مركز لبنان الحساس على سطح الكرة الارضية جعل منه واسطة للصلات بين الشرق والغرب. ولم يكتف لبنان بهذا الدور الذي قام به خير قيام، بل تعداه وعمل بنشاط في حقل الانتاج والاستنباط منذ القرن السادس حتى أوائل القرن العشرين.

وان أهمية الحرير في تاريخ الاقتصاد اللبناني حملتنا على أداء بعض الواجب نحوه بأحياء ذكراه. وقد عملنا في الجزء الثاني من هذا الكتاب، بصورة خاصة في الفصل السادس وما يليه، على دراسة صناعة الحرير في لبنان منذ عهد فخرالدين الكبير حتى الحرب الكونية الاولى. وأبرزنا طرق تربية دود القز، وما رافقها من تقاليد وتطور، واظهرنا نشاط اللبنانيين في حقل تحسين البزر وانتاجه وكميات الانتاج، وبينا أسماء المصدرين. وأضفنا الى ذلك ملحقا ً عن العادات القومية عهدنا بوضعه الى الأثري المتدرب السيد صبحي أبو شقرا.

فنوجه الشكر الى السيد روبير كرم، مدير مكتب الحرير، الذي طلب منا دراسة عن الحرير لنشرها عند التئام المؤتمر الدولي سنة 1965 فرأينا التوسع فيما بعد بهذه الدراسة ووضعناها بالصورة الحالية.

ونشكر كل الشكر الدكتور فؤاد افرام البستاني، رئيس الجامعة اللبنانية، الذي شجعنا على نشر هذا الكتاب في مجموعة منشورات الجامعة اللبنانية التي ننتمي اليها كأستاذ اليها كأستاذ للتاريخ والآثار.

بيروت في شهر تشرين الثاني 1966
موريس حافظ شهاب - المدير العام للأثار

الفصل الأول - الصين مهد الحرير


ولد الحرير في الصين في عهد تحيط به الاساطير ويقال ان الامبراطور فوهي كان يصنع منه الاوتار لآلات طربه. ويقال أيضا ً ان خليلة امبراطور يدعى هوانغ تي استخلصت منه خيوطا ً للنسيج او لتطريز المنسوجات. وان قدم النصوص الصينية التي وصلت الينا عن الحرير يعود الى القرن الثاني عشر قبل الميلاد ولقد افادت بعض النصوص الاحدث عهدا ً ان الولايات الصينية كانت قبل القرن الخامس تؤدي ما يفرض عليها من الخراج بكميات من الحرير.

في بادىء الامر استأثر الاباطرة بالحرير لانفسهم او لاسرهم او لكبار رجال بلاطهم ما دام عرشهم قوي الدعائم وبقي الحرير في قبضة هذه الطبقة العليا حتى انفرطت دولة كبار الاباطرة وتعددت الاسر الحاكمة في انحاء الصين فانتشر استعمال الحرير في القصور ولدى الخواص وازاد انتاجه وتحسن. ومن التحسينات التي طرأت عليه: أولا ً السهر على تربية الدود في جو محدد الحرارة. وثانيا ً تغذية الدود بورق شجر التوت. وثالثا ً خنق الدود في الشرنقة قبل ان يقوم بثقبها حفظا ً لسلامة خيوطها من العطب.

وكان لا بد لحسن انتاج الحرير من اتباع هذه الطرق وتطبيقها فانتشر استعمال الحرير انتشارا ً واسعا ً ولم يحصر بالالبسة والاكفان والرايات فحسب بل صنعت منه ايضا ً المظلات والمنسوجات والاقداح التي لا تنساب المياه منها.

وكانت الخلع والمكافآت في القرن الثاني قبل الميلاد تجعل من الحرير وتحل احيانا ً هذه المادة النفيسة مكان العملة يقايض الناس بها بعضهم بعضا ً في اعمالهم التجارية. في ذاك العهد اعتلت عرش الصين اسرة الهان الاولى فاعادت الى الامبراطورية ما سبق لها من سلطة رغما ً عن فترة وهن اعترتها في القرن الاول الميلادي وكانت بلاد الصين تعيش حتى ذاك العهد في عزلة توشك أن تكون تامة جاهلة ما وراء آسيا الصغرى من بلاد ومجهولة منها. وقد فتحت اسرة الهان لبلادها سبل الغرب ودعاها الى ذلك الخطر الذي كانت تشكلة على حدودها الشمالية حركات الشعوب المعروفة بالهون. وكان الهون يضغطون على ما جاور بلادهم من مناطق جنوبية زارعين في قلوبها الذعر المستمر. فسعى الامبراطور الصيني لتخفيف هذا الضغط عن حدود امبراطوريته ودرء الخطر عنها وأرسل بعثة الى شعوب اليوتشي النازلة شمال بطاح بامير ساعيا ً لخلق جبهة ثانية على حدود الهون الاخرى لابعاد شرهم عن بلاده.

وطال غياب هذه البعثة اذ أحدقت بها أخطار ودبت عليها المحن على أنواعها وعادت البعثة بعد سنين غير موفقة بالمهمة السياسية التي اوكل امرها اليها انما رجعت مزودة بمعلومات ثمينة عما اجتازته من أقطار وعما وراءها من بلاد. وارسلت هذه المعلومات بعض الانوار على دولة الفرس المعروفة لدى الصينيين حينئذ ببلاد نجاني وعرفت عن وجود أقطار وراءها يحيط بها الغموض. وجرى الاتصال بين الدولتين الصينية والفارسية واشتدت عرى العلاقات بينهما فسارت القوافل من الصين محملة بالحرير ووصلت بلاد الفرس حيث عرف به سكان البلاد الغربية في الظروف الآتي ذكرها.

الفصل الثاني - الحرير في بلاد الرومان

أدى الصراع بين الاسكندر والفرس الى فتح سبل البلاد الشرقية امام الغربيين وتابع السوقيون سياسة الاسكندر وتلاهم الرومان في القرن الاول قبل الميلاد نازلين الشرق بجيوشهم تحت لواء القائد بومبيوس فقوضوا دولة السلوقيين.

وتوالت موجات الرومان فاجتازت جيوشهم نهر الفرات وفي سنة 53 قبل الميلاد تلاحموا قرب حران مع الجيش الفارسي حيث لاقى القائد الروماني كراسوس حتفه. ونشر الفرس اثناء هذه المعركة راياتهم الحريرية فبهرت بلمعانها أعين الرومان. وما مضت سنوات قلائل الا وأتى يوليوس قيصر فبعث هيبة دولته في البلاد الشرقية وعاد منها بحرائر نشرها فوق الرؤوس في حفلات النصر التي أقامها في روما. لكن الحرير لم يتسرب الى العاصمة الا ببطء ومضى القرن واستعماله يعتبر كغاية في الترف. بقي هذا الاستعمال نادرا ً في القرن الاول قبل الميلاد حتى في الشرق الادنى، اذ جمدت حركة القوافل في فترة الوهن التي اعترت دولتي الهان الصينيتين فتعذر وصول الحرير الى بلاد الفرس وكيف بالاحرى الى الغرب.

اقفلت طرق القوافل في أواسط آسيا فسعت تجارة الحرير في طلب منافذ أخرى وكانت المراكب تجتاز الهند ومنها تدور حول شبه الجزيرة العربية وتلقي مراسيها في برينيس على الشاطىء المصري للبحر الاحمر او على السواحل العربية. وقد احتكر العرب النقل في البحر الاحمر وتولى الانباط حمل السلع من الجزيرة العربية الى البتراء والشوطىء اللبنانية والسورية. وكان الحرير ينقل في عهد اغسطس قيصر من انطاكية وصور والاسكندرية الى روما ويباع فيها باسعار عالية لا تسمح باستعماله الا لفئة من المثرين وارباب الترف. وكان لاقبال الطبقات العليا على شراء الحرير رد فعل قوي لدى مجلس الشيوخ فرأى فيه مساسا ً بالرجولة المفروضة في الاخلاق الرومانية ونهى الرجال عن ارتدائه بقرار اتخذه في السنة الرابعة عشرة للميلاد معتبرا ً لبسه مشينا ً بهم انما سمح بذلك للنساء بكل تحفظ. وكان الحرير يستعمل بشكل شريط او رسوم تخاط على الثياب او تنسج فيها. وتكر خيوط الحرائر المنسوجة الصينية وتحزم بها الألبسة او تطرز.

دامت الحالة على ذلك حتى أواخر القرن الاول وكان العالم عندئذ تحت حكم أربع دول واسعة الارجاء اذ كانت دولة الهان الثانية قد وحدت الصين. اما دولة الرومان فقد بسطت سلطتها على البلاد المحيطة بالبحر المتوسط وفي أواسط آسيا اتسعت دولة الملوك القاشانيين واخضعت افغانستان وبعض الهند. اما الدولة الرابعة فهي دولة الفرس التي قامت بدور الصلة بين الدول الثلاث ساعية لاحتكار تجارة الحرير. فنتج من ذلك ان فرض تجار البلاد الفرسية اسعارهم الباهظة لقاء اتعابهم ومغامراتهم. وعبثا ً سعى القاشانيون لمنافسهتهم في حقل هذه التجارة فتوددوا الى الصين وصاهروا امراءها من جهة وارسلوا البعثات الى روما من جهة أخرى. لكن العلاقات بقيت وثيقة بين الصينيين والفرس تتبادل دولتاهما السفراء بصورة متواصلة.

أمام هذه الحالة صرف الغرب المساعي والجهود لمعرفة سبل تجارة الحرير تهربا ً من وساطة الفرس. ولم يكن بالوسع الاعتماد على قصص الرحالة واختلافات التجار اذ انهم عن ابتهار او رغبة في الكسب كانوا يخفون معارفهم ويحشون اخبارهم بالقصص الخرافية او يجسمون الاخطار. ورغما ً عما اتسم به الجغرافي الصوري المعروف بمارينوس من تحفظ في المعلومات التي اوردها ذكر هذا الجغرافي محاولات التاجر المكدوني مايس وعدد محاولاته بواسطة موفديه وعملائه لجمع المعلومات عن طريق الحرير من بلاد الصين الشمالية حتى البحر المتوسط. وقد نقل الينا الجغرافي الشهير بطليموس نص سلفه مارينوس حول سنة 140 للميلاد وبقيت المعلومات عن الصين محاطة ببعض الغموص وجل ما أوضحته ان جزءا ً من الصين يقع شرق بلاد الاسكيت ويمكن الاتصال به عن طريق طشقند. أما الجزء الآخر فيمكن الوصول اليه بحرا ً بعد أن أغلقت الطريق الشمالية القارية أثر الحروب الناشبة بين الفرس والرومان.

ولدينا من القرن الثاني معلومات أخرى عن الطريقين البحرية والقارية فان الامبراطور الروماني ماركوس اوريليوس سعى سنة 166 الى الاتصال بالصين عن طريق البحر. فأرسل بعثة لمقابلة امبراطورها وذكرت النصوص الصينية أخبار هذه البعثة على الشكل الآتي:

"منذ امد بعيد كان ملوك التسين الكبرى (روما) يرغبون في الاتصال بأبناء السماء "لكن الشعب الآسي (الفرس) كان حريصا ً على بيع الحرير بنفسه الى سكان التسين"الكبرى فعمل على اخفاء الطريق المؤدية الى الدولتين وعلى منع الاتصال المباشر بنهما "ولم يجر هذا الاتصال المباشر بينهما الا ً في عهد الامبراطور هوانتي... عندما ارسل "ملك التسين الكبرى المعروف بانطين بعثة الى ابن السماء".

أما الطريق القارية فان النصوص الصينية اتت بمعلومات اوفى عن حالتها ذاكرة ان القوافل كانت تخرج من الصين متجمعة جماعات يحرسها عدد من المسلحين لحمايتها من قطاع الطرق. فتجتاز القفار والبوادي والوديان والانهار سائرة بخطى ثقيلة آزاء حدود الدول الكبرى او عبرها من بلاد الصين الى بلاد الخوطان وتجتاز ممرات جبال بامير وهند وكوش حتى تصل الى بلاد بختيار الواقعة على مفرق الطرق ومنها يتجه فرع الى الغرب عبر العجم وبلاد ما بين النهرين وفرع آخر يعبر وادي السند متجها ً نحو مرفأ بربريكون حيث يلتقي بحرائر الصين الجنوبية الآتية الى هذا المرفأ بعد دورانها حول الشواطىء الهندية. من هذا المرفأ كان الحرير يتقل الى مصب دجلة ومنه يحمل عبر واحة تدمر الى صور او انطكاكية.

ويحسن لنا بهذه المناسبة أن نأتي على ذكر الدور الذي لعبه اللبنانيون والسوريون واليهود في تجارة العالم القديم بصورة عامة وفي تجارة الحرير بصورة خاصة خلال العهد الروماني.

يستخلص من كتاب لغاستون ديكوسو وضعه سنة 1913 أن الحرير الصيني كان يصل الى البلاد الفينيقية بشكل خيوط أو نسائج وكانت ليبرة الحرير تباع سنة 301 بسبعماية واربعة واربعين فرنكا ً وكان الحرير الصيني اجود اصناف الحرير والفينيقيون ينتخبون اجمل الارجوان لصبغه. فتساوي ليبرة الحرير بعد الصبغ من 99200 فرنكا ً ذهبيا ً الى 105400 ويعمل في صور وصيدا صناع ماهرون يتقاضون الاجور العالية لقاء فصل خيوط الحرير التي اختصوا بها. انطلق أهل هذه البلاد بعيدا ً في الأقطار الداخلية لاستحضار ما يلزمهم من حرير ولعب أهل تدمر دورا ً هاما ً اذ كانوا يسوقون القوافل بين العراق والبحر المتوسط. ولم تحفظ لنا المناطق اللبنانية أثرا ً سليما ً لحرائر هذا العهد لما فيها من رطوبة لكن جفاف منطقة تدمر سمح بحفظ قطع منها وجدت مؤخرا ً في مدافن كبار التجار.

فان تدمر عرفت في القرن الثاني بعد الميلاد ازدهارا ً كبيرا ً لما لها من موقع بين الدولة الفارسية ومدن السواحل كانطاكية او صور التي كانت على علاقة وثيقة مع روما. ومن الشواهد على اشتداد العلاقات بين تدمر وصور انهما ناصرتا الامبراطور سبتيموس سفيروس في أواخر القرن الثاني فانعم على كل منهما بلقب الجالية الرومانية. واكتشفت في صور مؤخرا ً كتابة نقشت على شرف حليفها اذينة امير تدمر. واتسعت مملكة تدمر في عهد ملكتها زينوبيا فاصبحت عاصمة لدولة واسعة ذات شأن كبير.

رغما ً عن كون بعض النسائج الحريرية المكتشفة في تدمر حيك في بلاد الصين اثبت التحليل أن أكثرها لم ينسج بخيوط مسحوبة من نسائج غريبة المصدر بل يغلب على الظن ان خيوطها ونسجها تم صنعهما في البلاد لا خارجها. وبعد فحص هذه النسائج اعتنق الاختصاصي بفستر هذا الراي مؤكدا ً ان القطعة المكتشفة في تدمر والمرقومة (س20) صنعت في آسيا الغربية لان اللحمة وحدها صبغت بالارجوان مما يدل على كون هذا الصباغ جرى دون شك قبل الحياكة. وثبت لديه ايضا ً أن خيوط تدمر الحريرية الذهبية فتلت من الشمال الى اليمين وان خيوط سدة القطعة (س 6) من زرقاء وصفراء ذهبية فتلت ايضا ً بنفس الاتجاه وان هذا الاتجاه هو المتبع في فتل خيوط الصوف الوطنية بينما لا يبدو ذلك مطلقا ً في الخيوط الصينية في عهد الاباطرة من أسرة الهان المعاصرة. وهذا ما يثبت أن الحرير كان يستحضر من الصين او مفروطا ً او بشكل نسائج.

وكان أكثر تجار الحرير في روما من اللبنانيين او السوريين او اليهود ولهم سوق خاصة يعرضون فيه النسائج التي تتخللها الخيوط الحريرية والمحاكة في البلاد اللبنانية أو على الأقل المصبوغة فيها. واعتبر أكثر المؤلفين او الشعراء أمثال هوراسيوس او فرجيليوس او بروبرسيوس الحرير من الانتاج الخاص بفينيقيا . ونعت بروبرسيوس النسائج الحريرية بالملابس الصيداوية.

بقي الحرير طوال القرنين الاول والثاني بعد الميلاد يعد من أدوات الترف الاعلى واول من ارتدى في روما ثوبا ً حريريا ً الامبراطور الحمصي هليوغابال في أوائل القرن الثالث ولا يغرب عن الفكر ان حمص اقرب المدن الى تدمر. اما خلفاء هلوغابال من اسرته فلم يجاروه في هذا الشوط اذ ان الامبراطور الكسندروس سفيروس المولود في عرقا ً اللبنانية ارتدى البسة تخللها الحرير فقط ولم يؤت على ذكر لباس واحد بين البسته من الحرير الخالص.

بعد اسرة سفيروس توالت في الدولة الرومانيبة الانقلابات العسكرية بسرعة متزايدة الى ان نهض العالم الروماني موقتا ً من كبونه في اواخر القرن أي في عهد الامبراطور ديو كلسيانوس فاحتل الحرير مكانة رفيعة لفتت انظار الدولة لما فيه من ربح لخزينتها.

ووقع الامبراطور ديوكلسيانوس مع الشاه نرسيس اتفاقية جعلت ثغر نصيبين الواقع شمال شرق البلاد السورية الجمرك الوحيد الذي يجوز ولوج الحرير منه الى العالم الروماني. وقد حدد الامبراطور سعره بقرار اتخذه سنة 301 واغدق الحرير على الخزينة بارباح طائلة لما فرض عليه من مكوس وضرائب طول المراحل التي يجتازها داخل البلاد حتى بيعه في الاسواق.

وفي نفس العهد كانت المصاعب تعتري سبل الحرير متكاثرة عبر آسيا. اذ انفرط عقد امبراطورية الهان الى دويلات عديدة وضاقت السبل البحرية في أواخر القرن الثاني. واقفلت في وجه المراكب الرومانية ابواب الهند لان المراكب الاثيوبية سيطرت على الملاحة في البحار الجنوبية. وانتقل الحكم في بلاد فارس الى الاكاسرة سنة 227 وسعى الاكاسرة لتوسيع دولتهم على حساب جيرانهم من القاشان فألحقوا بمملكتهم الاقطار الافغانية وشمال الهند وحولوها الى ولايات واضعين ايديهم بهذه الصورة على سبل الحرير. وفي سنة 360 غزا شاهبور الثاني سوريا الشمالية ونقل منها الى شوشة عددا ً من المعلمين لصناعة الحرير فنهضت في بلاد شوشة هذه الصناعة التي كان الفرس يستحضرون لها المواد من بلاد الهند.

الفصل الثالث - مصانع الحرير وتجارته في العالم البيزنطي

ازدادت أهمية الشؤون الشرقية في العالم الروماني فتدرجت عاصمة الدولة من روما الى القسطنطينية. وفي سنة 395 اتخذ الامبراطور ثيودوسيوس قرارا ً خطيرا ً اذ شطر الدولة الى شطرين غربي وشرقي وعرف الشطر الشرقي في عصرنا بالدولة البيزنطية وقد احتل الحرير فيها مركزا ً رفيعا ً.

راج استعمال الحرير في الدولة الجديدة رواجا ً كبيرا ً في البلاط وفي الكنيسة الظافرة. فطغى الحرير على الابنية الدينية وكسيت به المذابح والهياكل وارتداه الاكليروس في الحفلات الدينية على الاقل وجعلت الطبقة العليا منه اكفانها.

وضاهى البلاط البيزنطي بلاط الاكاسرة بالترف وأحاط الاباطرة انفسهم في الحفلات الفخمة برجالات يتسربلون بالحرير والارجوان وكانوا يخلعون في الحفلات الرسمية الخلع الحريرية على ضيوفهم. ولهذه المظاهر الفخمة غايات سياسية اذ شاء الاباطرة ان يبهروا أعين البرابرة الشماليين بما لهم من ثروة وعلاقات مع الهند والصين...ولذلك كانوا يخلعون على سفراء ومندوبي الامراء المجاورين شمالا ً لبلادهم الخلع الحريرية وسائر منتوجات البلاد الشرقية.

و كان الامبراطور البيزنطي يوالي أيضا ً ارسال الخلع الحريرية الى كنائس واحبار وامراء البلاد الغربية دعاية لنفسه وابرازا ً لمكانته.

ولم ينحصر تسرب الحرير الى الغرب بهبات الاباطرة بل ساهم اللبنانيون والسوريون ر بنسجه فحسب بل بتصديره ايضا ً الى تلك البلاد وقد جاء القديس جيروم في أوائل القرن الخامس على ذكر نشاط التجار من لبنانيين وسوريين واقدامهم غير عابئين بأخطار غزوات البرابرة مذللين الصعاب مغامرين. وانتشرت حياة الترف في الغرب في الاوساط الدينية وفي بلاط الميروفنجيين الذين حكموا من سنة 335 الى سنة 751 وتسربل بالحرير كبار القوم رجالا ً ونساء ً فانفتحت برواجه في وجه اللبنانيين والسوريين سبل واسعة للعيش والكسب. ولم يكتف تجارهم بجوب البلاد بل استقروا في المدن الجنوبية كبوردو وناربون وفي الشمالية كاروليان وتورس. واختلطوا بسكان البلاد وأصبحوا كأنهم من أهلها وكانوا يشتركون في أورليان بأقامة الحفلات في الأعياد الدينية وأصبح أحدهم اسقفا ً لمدينة باريس. وقد فتحوا لتجارة الحرير اسواقا ً جديدة.

كثر الطلب على الحرير بينما كانت بلاد فارس تحاول احتكار سبله وفرض ما يحلو لها من أسعار. فأدى ذلك الى عقد اتفاقات جديدة بين الأباطرة من بيزنطيين وفرس وازداد عدد الثغور الجمركية. وفي سنة 409 وقع اتفاق جديد بين الشاه يزدغرد الاول والاباطرة هونوريوس وثيودوسيوس الثاني اضيفت بموجبه الى نصيبين ثغور الرقة عند الفرات وارتكسه عند نهر الاراكس وعقد اتفاق آخر سنة 562 بين الامبراطور جوستينيانوس وكسرى انوشروان فأضيفت الى الثغور السابقة مدينة دارا شمال غرب نصيبين.

وقد أنشأ الاباطرة البيزنطيون مصانع حكومية جل عمالها من النساء لان اجورهن اخف من اجور الرجال وعملهن اكثر دقة وخصت هذه المصانع قبل سواها بما يرد من الحرير. وفي الشطر الاول للقرن الرابع وجه الامبراطوران فالنسيوس وفالنيتيانوس امرا ً الى المفوض ارخيلاووس ينهيان به الافراد عن صناعة الحرائر المقصبة للرجال ويفرضان حصر هذه الصناعة بالمصانع الحكومية. وبعد قرن من الزمن جدد الامبراطور تيودوسيوس الثاني هذا الامر ونهى الافراد عن صناعة الحرائر وفرض على التجار تسليم بيت المال ما لديهم منها وكاد الحرير يفقد من الاسواق لما وقع من حروب بين الفرس والبيزنطيين وكان الفرس حتى في فترات السلم يمنعونه عن الثغور الجمركية ولا يسمحون الا بالكميات التي تفيض هن حاجتهم.

كان مفوضو الدولة البيزنطية يقتطعون من الحرير ما يلزم للمصانع الحكومية ولا يتركون للمصانع الخاصة سوى ما يزيد عن هذه الحاجة. وأثرت هذه الخطة على أعمال مصانع بيروت وصور وصيدا وشلت احيانا ً ما تبديه من نشاط.

قصد اللبنانيون والسوريون اسواق الثغور الجمركية وبذلوا في اقتناء الحرير المبالغ المرهقة وكانوا يؤدون اثني عشر جزءا ً بالماية كمكوس ويدفعون رسوما ً وضرائب للبلاد التي يجتازونها وكان لذلك الاثر البعيد في شل اعمالهم بعدما اعتراهم من مزاحمة المصانع الحكومية. واصبحت السياسة الحكومية تشكل فعلا ً نوعا ً من الاحتكار وشاء الامبراطوريوستينيانوس أن يضع حدا ً لارتفاع الاسعار فحدد اثمان منتوجات المصانع الخاصة وزاد ذلك الطين بلة فتراكمت الصعوبات في وجه المصانع الخاصة لما كان للمصانع الحكومية من امتيازات ولحماية الامبراطورة ثيودورا للمولجين بها رغما ً عن تصرفاتهم الشاذة. وكان لهذه الصعوبات الاثر السيء على مصانع بيروت وصور فهجرها معلمو الصنعة متجهين الى بلاد الفرس يعملون فيها. وانقطع الامل بتحسين الحالة ما لم يتوصل أهل البلاد الى تربية الحرير في اقطارهم هربا ً من الاكلاف الباهظة التي لا تسمح لهم بتخفيض الاثمان.

لهذه الاسباب سعى الامبراطور بوستينيانوس الى انتاج الحرير في بلاده ولم تعد الاسرار التي كانت تكتنف انتاج الحرير كما كانت عليه في العصور السابقة. ففي تلك العصور كان أهل الصين يحرصون الحرص الشديد على حفظ سر انتاج الحرير ولذلك يحيطون هذا الانتاج بقصص خرافية ومرعبة. وحتى اواخر القرن الرابع للميلاد ما زال الكتاب الرومان ومنهم أميانوس مرسيلينوس يعتقدون أن الحرير انتاج نباتي يستخرج من بعض الاشجار. لكن غرام أميرة صينية وميلها للاناقة ساعدا على خرق حجاب السر وعلى نشره في الخارج. في أطراف آسيا الوسطى امارة تعرف ببلاد الخوطان عقدت خطبة أميرها على أميرة صينية فاستغل هذا الأمير عواطف خطيبته وخوفها من حرمانها لبس الحرائر فيما لو لم تصطحب معها ما يلزم لانتاجها في امارتها الجديدة. فاغوتها هذه الفكرة ودست بين شعرها بعض بزور دود القز وخرجت بها من الصين دون أن يشعر بحيلتها المراقبون على الحدود. واصبحت بلاد الخوطان تنتج الحرير لكن انتاجها لم يكن ليزاحم الصين لا من حيث الكمية ولا من حيث الصنف.

وفي القرن التالي عندما اشتدت في البلاد البيزنطية أزمة الحرير سعى الامبراطور جوستينيانوس للتملص من الاسعار التي يفرضها الفرس فكلف راهبين باحضار بعض بذور القز فأتياه بها في سنة 553 في جوف عصيهما وباشرت الدولة البيزنطية انتاج الحرير في أراضيها.

حملت الحالة في لبنان وسوريا الامبراطور بوستينيانوس على تسليم اهلهما بعض بذور القز للقيام بتربيتها ووجد بذر القز في مناخ لبنان جوا ً صالحا ً وفي ورق التوت المنتشرة به غذاء ً طيبا ً فاستعادت هذه المناطق ما كان لها في حقل الحرير من صناعة مزدهرة. لكن الامبراطور يوستينيانوس وقع عن جديد في ما كان له من سابق الخطأ وحاول حصر هذه الصناعة وساهم في هذه السياسة المفوض البيزنطي المقيم في بيروت فأوشك ان يخنق هذا الازدهار لصالح مولاه اذ احتكر النسيج والصباغ وخص بهما المصانع الحكومية وفرض على الفلاح بيع الشرانق والحرير الى المفوض الحكومي بالاسعار التي يحددها وشلت هذه الاحكام نشاط صناعة الحرير في البلاد عن جديد.

لم يقفل نشاط هذه الصناعة الابواب تماما ً في وجه شراء الحرير الصيني وفي الشطر الثاني للقرن السادس ساعدت الظروف على استيراد هذا الحرير.

كانت شعوة الصغديين والبختياريين تعيش من التجارة والزراعة في اواسط آسيا ما وراء بلاد فارس. وتحكم هذه الشعوب عناصر تركية فرضت عليها سلطتها بقوة الفتح. وكان الصغديون على علاقة مع الصين يشترون منها الحرير فعرضوا خدماتهم على من جاورهم من فرس لكن الفرس كانوا قد اقتبسوا ايضا ً طرق تربية دود القز وقاموا بها في الاماكن الملائمة وقد نشطت صناعة الحرير في بلادهم بفضل ما نقلوا اليها من صينيين وسوريين. فلم يعيروا عرض الصغديين اذنا ً صاغية ً. وتقدم الصغديون بعرضهم من البيزنطيين. وعقد الامبراطور يوستينيانوس الثاني اتفاقا ُ معهم وقد حكم هذا الامبراطور من سنة 565 الى سنة 578. فسارت قوافل الحرير شمال بلاد الفرس متبعة طرق القفقاس المهجورة واصلة الى طرابزون. ولعب الاتراك دورا ً هاما ً في حقل تجارة الحرير لمدة تفوق القرن.

الفصل الرابع - انتشار في القرون الوسطى

ظهر الاسلام ومال دعاته الى التقشف فكان في ذلك خطر شديد على ارتداء الحرير فالاسلام التمس البساطة كالمسيحية في خطواتها الاولى وانصرف عن حياة البذخ فعاش الخلفاء الراشدون عيش التقشف خلافا ً لسواهم من الامراء والملوك ولم يغضوا الطرف في هذا المضمار سوى عن النساء اذ من واجبهم التجمل لاغراء الرجال انجابا ً للاولاد؛ أما الرجال فحرم عليهم لبسه وجل ما مكنوا به تزيين أطراف ملابسهم بالحرير او الشراريب الحريرية. وقد وضع المسلمون اليد بعد احتلالهم للقدس على كميات وافرة من النسائج الحريرية فدفع بهم ذلك الى ارتدائها وبلغ استياء عمر بن الخطاب اشده من تصرف لا يليق بالرجال وأصدر الامر بجر القائمين به في الاوحال.

كان لاحتلال بلاد الشام أسوأ وقع على حياة التقشف هذه اذ ان الحرير من اسس ثروتها ووضع خالد بن الوليد اليد على ثلاثماية حمل جمل من الحرائر علاوة على ما حوت منها خزائن الحكام الروم وبلغ ما أدت مدينة خليكس وحدها من ضريبة عشرة آلاف دينار ومايتي ثوب من الديباج.

أنشأ معاوية الدولة الاموية ازاء دولة الروم فرأى نفسه مرغما ً على مقابلة فخامتها بالمثل واقتبس بعض مراسيمها ومظاهرها ولم يعد تقشف الخلفاء الاول ليليق بالدولة الجديدة وسرعان ما غزت حياة البذخ البلاط الاموي فهجت معاوية احدى نسائه البدوية قائلة:

ولبس عباءة وتقر عيني أحب الي من لبس الشفوف
وخرق من بني عمي نحيف أحب الي من علج عنيف

في سنة 665 أضاف معاوية الى قصره طرازا ً أي مصنعا ً للحرير نال شهرة واسعة وزاد فتح المدن العديدة ثروته بما وجد فيها من نسائج حريرية نفيسة وامتدت سيادته على الاقطار المنتجة للحرير من لبنان وسوريا الى العجم واصبحت الدولة الاسلامية بعد انهيار دولة الاكاسرة ثاني دول العالم لانتاج الحرير فامتلكت أكثر طرق وروده من الشرق الاقصى تلك الطرق التي كانت دولة الاكاسرة قد بذلت الجهود الجبارة لاحتكارها.

لم يطل الامر حتى اصبحت الدولة الاسلامية منافسا ً عنيدا ً للصين في مضمار الحرير فكانت الحروب الدامية بين الدولتين وفي سنة 751 دارت رحى معركة بين الفريقين على ضفاف نهر طلي الجاري عند حدود الصين فكان النصر للقائد زياد بن صالح لكنه لم يشأ اللحاق بأعدائه بل اكتفى بجر عدد عديد من الاسرى وبينهم حاكة الحرير فأحلهم في الكوفة يطبقون فيها ما لهم من خبرة.

انتشر الاقبال على الحرير في اطراف الدولة العباسية الواسعة وحذا هارون الرشيد حذو اباطرة الروم فأرسل الى شارلمان ديباجا ً كثيفا ً ارجواني الون. وكان هذا الديباج مطرزا ً بخيوط من القصب الذهبي تمثل رسوما ً مختلفة كثر فيها النسر والعنقاء. وكان شارلمان يميل شخصيا ً الى شظف العيش ويأخذ على أعوانه التسربل بالديباج من صنع حلب او صور ويعتبر اقبالهم عليها تخنثا ً.

سارت الجيوش الاسلامية في فتحها نحو الغرب وزرع اللبنانيون والسوريون على طرق الفتح اسماء مدن اوطانهم كطرابلس وصيدا وقرطبا وما شاكلها. ونمت في مراحل الفتح تربية دود الحرير ومصانع حياكته. ووجدت هذه الصناعات في جنوب الاندلس ارضا ً خصبة فنشأت فيها وازدهرت وما مضى القرن الا واصبحت مدينة "الاميرية" من انشط المدن في هذا الحقل وكانت الأنوال الدائرة فيها تتعدى الثمانماية وبلغ عدد الاماكن التي تتعاطى تربية دود القز في الاندلس الثلاثماية وما فوق. ولم تكتف دولة غرناطة بانتاج ما يلزم صناعاتها من حرير بل أصبحت تصدره الى الأقطار الأخرى. ونزل العرب جزيرة صقلية فألحق أمراؤهم بقصورهم الطرازات النشيطة الكثيرة الانتاج.

في القرن الثامن اشتدت في بلاد الروم الحملة على الصور الدينية وقام الثوار يعملون على ازالتها فرحل عدد من الحاكة ولجأوا الى روما حيث عاشوا في ظل البابوات ينسجون الالبسة والار دية للمذابح والسجاد الحريري للجدران.

أما في الاستانة وجزر الارخبيل فان انتاج الحرير تضائل برهة من الزمن من القرن السابع الى التاسع وما لبثت هذه الصناعة ان استعادت في القرن العاشر بعض النشاط فلم تعد مصانع بلاد الروم تكفي لسد حاجاتها وعادت العلاقات مع البلاد الاسلامية فتدفقت الحرائر على بلاد الروم من انطاكية او الاسكندرية او طرابزون. وأصبحت الاستانة مركزا ً لتصديره الى الاقطار الشمالية فأقبل على طلب الحرير منها الخزر والروس والترك لقاء خدماتهم. ونزولا ً عند رغباتهمن أرسل اليهم الروم الحرائر لكنهم حصروا ارسالياتهم بما هو دون مبلغ معين سوى في ظروف معينة وكانت تجارة الحرير وصناعته تتأثران بما تتخبط به دولة الروم من مصاعب.

هذا ما كان من أمر بلاد الروم أما بلاد العجم فانها امنت على نفسها من شر الغزوات بعد معركة طلس فذهبت في حقل الحرير شوطا ً بعيدا ً وأصبحت مدينة مرو في القرن العاشر سوقا ً يؤمها سكان الولايات الأخرى لشراء بذر القز وانتشرت تربية دود الحرير حيثما سمح المناخ بذلك خاصة في الأقطار الشمالية مثل طبرستان التي كانت أصل قاعدة لها ومثل جرجان التي تنحدر فيها الاراضي من البطاح العالية حتى شواطىء بحر قزوين وقد شهد الاصطخري وابن حوقل بنشاط هذه المنطقة، كما ذاع ايضا ً صيت فارس وخوزستان في حقول حياكة الحرير وصباغه وتطريزه فشهدت بنفاسة هذه النسائج قصص الف ليلو وليلة وكانت الحال على ذلك في أواخر القرن الحادي عشر عندما اوشك زحف السلاجقة في آسيا الصغرى والبلاد السورية ان يقيم حاجزا ً جديدا ً السبل التي يطرقها تجار الحرير.

الفصل الخامس - نسيج الحرير في الاقطار الشرقية والغربية


اجتاز الصليبيون بلاد الروم ثم بلاد السلاجقة وظعرت طلائعهم عند انطاكية فما لبثت ان أغوتهم حياة الترف المنتشرة في البلاد السورية واللبنانية. وكانت حصيدتهم كبيرة في انطاكية من سجاد ونسائج من الحرير الخالص. وعند مرورهم بطرابلس وافاهم قاضيها ابن عمار بكميات كبيرة من الحرائر. فأقبلوا عند اقامتهم في الشرق على العادات الشرقية وتنعموا بالحياة فيه وتلذذوا فتنافسوا فما بينهم برخاء العيش وترفه ولم يحصر اقتناء الحرير ببلاط ملك القدس والكنائس اذ كان من يحج من الغرب الى الاراضي المقدسة يعود الى بلاده بعادات التنعم والبذخ.

كان لهذا الترف الاثر البعيد في انتاج الحرير في المدن اللبنانية التي وقعت بأيدي الصليبيين واشتهرت صور بالتفنن حتى كنيت النسائج اررجوانية في الغرب بالصورية ونشأت في صور جمعية دينية صناعية وتجارية ذات نشاط واسع في حقل النسائج الصوفية والحريرية. وكان في حي البنادقة في صور عدد من الحاكة الشرقيين يعملون في نسج حرائر اشتهرت بجودتها. وكانت قصص الفروسية او التعرفات الجمركية او لوائح النفائس كلما اتت على ذكر اصل الحرائر تنسبه الا فيما ندر الى الاسكندرية او طرابلس او دمشق او انطاكية.

وفي القرن الثاني عشر اعجب الادريسي بما شهده في انطاكية من حرير مموج او مقصب وكانت هذه الحرائر مثل حرائر طرسوس مقصبة في سدتها بخيوط من الذهب او الفضة. وعندما دخل السلطان قلاوون مدينة طرابلس لم تكن لتعد اقل من أربعة آلاف نول. ولم تكن هذه المدن تتاجر بما تنسجه انوالها فحسب بل تأتي ايضا ً بالحرائر من البلاد البعيدة كالعجم او الصين. وكان اقبال الغربيين في اكثر الاحيان اكبر على النسائج اللبنانية والسورية لما فيها من جودة ولان اثمانها دون ما يؤتى به من اواسط آسيا أو أقاصيها.

كان الحجاج الجنويون يعودون من الاراضي المقدسة حاملين النسائج والحرائر والطلب يتكاثر على هذه النسائج فتضطر مراكب البندقية الى المكوت طويلا ً في مرفأ صور بانتظار افراغ من تجهيزها.

وبعد ما كانت الحرائر الشرقية محصورة الاستعمال في تزيين المذابح وجدران الكنائس انتشر تذوقها في قصور الامراء والفرسان وبيوت اصحاب الثروات وتسربل الامراء والفرسان والاشراف ونساؤهم وبناتهم بالالبسة الحريرية يخرجون من دورهم مرتدين اياها بينما الاكليروس وحده ارتداها فيما سبق في الحفلات الدينية. وألبست المعابد الخاصة بالحلل الحريرة وصنعت من الحرير الاعلام وأغشية الاسرة وازدانت الخيام بالحرائر وتدلت من الشرفات سجادا ً ونسائج. وغذت هذه العادات والحفلات الحاجة الى الحرائر فنشط طلبها من الشرق نشاطا ً كبيرا ً لكن مهاجمة المغول لصيدا وفتح السلطان قلاوون لطرابلس وتدمير الاشرف خليل لصور وما جرى من حروب في لبنان في أواخر القرن الثالث عشر حد من هذا النشاط وأوشك أن يأتي عليه.

ومن وجهة أخرى عندما احتل النورمانديون جزيرة صقلية احتفظوا في بادىء الامر بالصناع المسلمين لكن الصناع الروم تهافتوا على الجزيرة فما لبثت اليد العاملة الرومية والايطالية ان حلت محل الاسلامية ونقل هؤلاء الصناع طرق الصناعة الى اليابسة الايطالية كما نقل البعض اليها هذه الطرق مباشرة من البلاد الصليبية.

وامتازت انوال مدينة لوقا بتقليد النسائج الشرقية حتى أصبح انتاجها لا يقل جودة عن نسائج يزد ودمشق وسائر البلاد الشرقية. وتعدى صيت انوال لوقا الافاق الايطالية فانتشرت منسوجاتها في باريس ومقاطعة شبمانية ومدينة بروج في بلجيكا وحتى مدينة لندن.

ونشأت في ذات الزمن جمعيات لحاكة الحرير في فلورنسا وجنوى والبندقية، انما احتفظت مدينة لوقا بتفوقها لبعض الحين حتى بادرتها بعد سنة 1300 محن سياسية داخلية تخبطت فيها فمال الحظ الى جانب جاراتها. من سنة 1316 الى 1328 خضعت لوقا لنظام عسكري شرد عن قهر او عن رضى بعض سكانها وحائكيها فاستوطن بعضهم فلورنسا او البندقية او مدنا ً ايطالية أخرى.

وانتشرت صناعة تقليد النسائج الشرقية وطرقها خارج لوقا وسرعان ما احتلت فلورنسا المنزلة الاولى في حياكة الحرائر والاقمشة. فكان الفلورنسي بنديتودبي يفاخر بمصانع مدينته الثلاثة والثمانين التي كانت تتعدى بانتاجها مجموع انتاج جنوى والبندقية ولوقا.

ولقد تعاطت فرنسا ايضا ً هذه الصناعة ومنذ القرن الثالث عشر كانت في باريس جمعية لصناع حرير يحيكون الاكياس المعروفة بالعربية التي كان القوم يتغاوون بتدليتها من زنانيرهم وما مضت برهة من الزمن حتى اشتهرت باريس في القرن الرابع عشر بدمقسها واصبح نسج الحرير في فرنسا يتكاثر من يوم الى يوم فاستحضر الملك لويس الحادي عشر سنة 1480 صناعا ً ايطاليين للعمل في مصنع للحرير انشأه في مدينة تورس.

من الطبيعي أن يؤدي ازدهار مصانع الحرير في اسبانيا وايطاليا وفرنسا الى الحد من استيراده. لكن الحرائر الشرقية تغلبت على المصاعب لما عرفت به من جودة وتمتعت به من مكانه وساعدها على الاحتفاظ بما عليها من اقبال انتشار حياة الترف في البلاد فتابع تجار الغرب المساعي لارتياد الشرق طلبا ً للكسب والارباح الطائلة التي تدرها عليهم تجارة النسائج الشرقية.

وأنشأ الغربيون مركزا ً ثانيا ً لاعمالهم في بلاد الروم التي حل فيها الصليبيون في القرن الثالث عشر واسسوا دولة لاتينية في الاستانة محل دولة الروم فازالت هذه الدولة ما بين بلاد الروم والجمهوريات الايطالية من حواجز وكانت اوساط الحرير في جزر الارخبيل متعددة منها مصنع مزدهر في جزيرة اندروس في القرن الثاني عشر. ومنها في جزيرة أوبيا الواقعة شمال اثينا التي تنتج من الحرير وتصدر كميات وافرة وقد عقدت اوبيا مع البندقية معاهدتين سنة 1209و 1216 حوتا ً بنودا ً تفرض على الشركات المقيمة فيها قطعة من الدمقس الموشى بالذهب تقدم في كل عام لدوق البندقية. وقد وضع البنادقة ايضا ً يدهم على صناعة وتجارة الحرير في طيبا ً فكانت مراكبهم تتولى نقل هذه المنتوجات الى البندقية. اما الجحنونيون فكانت لهم في اثينا تجارة ومصانع حرير نتنج حرائر تعفى من الرسوم الجمركية.

رغما ً عن نشاط انتاج جزر الارخبيل للحرير في القرن الثالث عشر لم يكن ما يصدر منه الى البلاد الايطالية الشمالية وافيا ً بحاجة الغرب بعد ان اغلقت دولة المماليك في وجه الغربيين ثغور لبنان وسوريا وكيليكيا. ولم تأت تربية دود القز في البلاد الاوروبية بالنتائج المرغوبة فاضطر الاوروبيون ان يسعوا للحصول على الحرير النفيس من البلاد الواقعة ما وراء دولة المماليك أي من بلاد العجم والصين.

وكانت الصين قد احتفظت بما لها من تفوق في صناعة الحرائر النفيسة وذكر الرحالة ماركوباولو ان التجار من مواطنين واجانب يؤمون خانبلك عاصمة الامبراطورية الصينية الشمالية وللحرير في أعمالهم دور هام. وكانت قوافل التجار العديدة تتجه من تلك العاصمة بكثرة الى أوساط تركستان التجارية ومنها الى بلاد القفقاس أو الى بلاد الهند.

وكانت بلاد ايران الواقعة بين تلك الاقطار قد احتلت في حقل انتاج الحرير مركزا ً مرموقا ً لذلك شاهد أفراد أسرة بولو عند مرورهم بها سنة 1293 بعض الجنوبين متمركزين في مدينة طوريس منذ عهد غير بعيد. وكان حاكة مدينة يزد يتسوقون من طوريس حرائر واحات استراباد والمناطق المجاورة لشواطىء قزوين الجنوبية. وقد ذاع صيت بلاد طبرستان والاقبال على طلبها يعم العالم من الصين حتى الغرب. وعلاوة على ذلك احتفظت حرائر وقطنيات نشابور ومرو واصفهان بما كان لها من ذائع الصيت. لذلك نزل الغربيون شواطىء بحر قزوين ورائدهم لا الحصول على حرائر جيلان فحسب بل على حرائز ما جاورها من بلاد وحتى على ما كان يؤتى به من الصين. لذلك انتخب الغربيون بلاد القرم قاعدة لاعمالهم التجارية وانشأوا فيها مراكز يتجهون منها عكس مجرى نهر الدون حتى النقاط المجاورة لنهر الفولغا فاذا وصلوا هذا النهر نزلوا مجراه حتى شواطىء بحر قزوين. وكانت المنافسة قوية على ارتياد هذه الطرق بين الجنوبين والبنادقة باعثين ما سبق وكانوا عليه من منافسة خلال العهد الصليبي في مدن صور وعكا.

وما جرى الفتح التتري واتخذ امراء التتر مدينة القرم قاعدة لحكم البلاد الا وحلت في مدينة كفا المجاورة جالية جنوية ينطلق منها التجار عبر طريق لا تخلو من الاخطار والمصاعب الى نهر فولغا وبحر قزوين لذلك سعوا لتجنب هذه الاخطار فانشأوا في مدينة القرم التي يغلب عليها اسم سلغات قنصلية تابعة لقنصلية كفا حيث كانت تصل حرائر جيلان وتصدر منه.
لاستغلال هذه السوق لحق البنادقة بالجنويين واتخذوا مدينة تانا قاعدة لاعمالهم وكان هذا الثغر افضل مركز لاقتبال حرائر جيلان والبلاد الواقعة على شواطىء بحر قزوين اذ من هذا الثغر تتفرع اطول طريق في العالم تتبعه القوافل الى استراخان وشواطىء بحر قزوين الشمالية وتجتاز خوارزم وتركستان فتصا الى الصين ومما يساعد على ايضاح تاريخ انشاء هذا المركز ان سانوتو لم يذكر هذه الطريق في مؤلفاته العائدة الى سنتي 1306و 1313 رغما ً عن رغبته الصميمة بالاتصال بالهند والصين عن طرق لا تمر ببلاد المماليك البحريين اضعافا ً لاقتصادياتهم. وبعد سنين قلائل اي في سنة 1335 اتى على ذكر هذه الطريق فرنسيسكو بالدوتشي بيغولوتي وكيل شركة باريدي العالمية في قبرص ويظهر ان اصحاب الامتيازات في تانا من جنوبين وتوسكان كانوا قد ألفوا وقتئذ طرقها. ومن الادلة اهمية هذا الخط التجاري ان البنادقة كانوا في كل عام يرسلون من تانا ستة أو سبعة مراكب مشحونة بأفاويه الهند وحرائر الصين. وبقي هذا الخط التجاري على جانب كبير من الازدهار حتى اتجاه تيمورلنك بفتوحاته نحو المناطق الغربية في أواخر القرن الرابع عشر. ولقد سقطت مراكز هذا الخط بيده الواحد تلو الآخر لكن اليأس لم يأخذ الجنويين والبنادقة من بعثهم له اذ احتفظت البندقية لنفسها في تانا بقنصلية دامت اعمالها حتى ما بعد سنة 1418 وواصلت مراكب البندقية الابحار بين تانا وكفا حتى ما بعد سنة 1422 وفي سنة 1430 كانت المواصلات التجارية البحرية لا تزال قائمة بين البندقية وكفا اذ كان الجنويون والبنادقة يقصدون شيروان الايرانية للاتيان بحرائر جيلان والجاليات الايطالية تجد ايضا ً في صيد اسماك نهر الدون موردا ً هاما ً لرزقها.

دامت الاحوال على ذلك حتى اواسط القرن الخامس عشر حيث سقطت الاستانة في حوزة السلطان العثماني محمد الفاتح فاستولى على القرم وسد هذا الفتح بصورة نهائية ابواب المواصلات بين تانا وبلاد الصين.

أصبحت عاصمة التتر سمرقند سوقا ً تؤمها قوافل الهند والصين وامتدت سلطتهم على العدد الكبير من مراكز حياكة الحرير والمراكز الايرانية نواة لها. بين هذه المراكز عدد يرتقي الى عهد بعيد كيزد ونيسابور ومرو واصفهان وعدد نال شهرة واسعة بنشاطه مثل مرند وهرات وارزنجان وموش وسعوت وماردين والموصل وبغداد اي بلاد اذربيجان وخراسان وارمينيا وكردستان وما بين النهرين وقد اشتهرت بغداد بحريرها المقصب.

وعندما انهارت الدول الارمنية القائمة في كيليكيا واغلقت الخطوط التجارية الشمالية تحولت القوافل المحملة بحرير كبالة وشماكو وشروان نحو مدن دمشق وحلب. وكانت الخطوط التي تصل هاتين المدينتين بايران والهند عديدة. أحدها يجتاز القسم الشمالي من بلاد ما بينم النهرين فيصل الى حلب. وفي سنة 1483 مر الرحالة غيستيل بهذه المدينة فرأى اسواقها زاخرة بالحرائر. وذكر مارينو سانوتو (1466- 1533) ان القوافل كانت تأتيها من المراكز الايرانية المختلفة بالحرير المغزول او المنسوج.

أما في أقطار آسيا الجنوبية فان الخطوط الهندية ما زالت تزداد اهمية واقصرها يصل الى هرمز على الخليج الفارسي حيث يقبل أهل الشام على شراء الحرائر. وكانت هذه البضائع تنزل احيانا ً اليابسة على أرصفة البصرة أو تصل نهرا ً حتى بغداد فتحملها القوافل متجهة منها الى البلاد السورية.

ولمم يكن الخليج الفارسي الطريق الوحيد للبضائع الآتية من الهند. بل كثيرا ً ما تحمل هذه البضائع الى البحر الأحمر مارة بباب المندب وتنزل اليابسة على شوطىء مصر او الجزيرة العربية فتحملها قوافل الحجاج الى أسواق دمشق من حرير أو نسيج وفي سنة 1421 تلقت البندقية حرائر مما يقارب ثمنه ما يتي الف دوكا ثلثها من حرائر البلاد السورية.

ولم ينحصر اتجاه الحرير من الشرق الى الغرب في القرن الخامس عشر بل اتجه أيضا ً من الغرب الى الشرق اذ كانت صناعة الحرير قد بلغت فيه درجة رفيعة فأصبح الغرب يعرض منتوجاته في صميم البلاد الشرقية التي اشتهرت بصناعاتها. وفي سنة 1449 عندما حاول اسطفان فون غمبنبرغ شراء حرائر في دمشق علم ان حرائر البندقية تعرض في اسواقها لان تيمورلنك كان قد نقل الى بلاده معلمي هذه الصناعة.

وكانت البندقية تصدر الى مصر الغشاوات الحريرية والمحارم المقصبة بالذهب وفلورنسا ايضا ً تصدر حرائرها الى دمشق والاسكندرية وتركيا.

لعبت بيروت في هذا العهد دورا ً هاما ً لوقوعها على مقربة من اسواق االحرير القائمة في حلب وطرابلس وصيدا ودمشق ورادها التجار الشرقيون والاوروبيون العاملون في صور ودمشق و حلب لجودة مناخها وثغرها.

وقصدت بيروت مراكب البندقية وسائر الثغور الايطالية مارة امام ماغوسطة في قبرص متجنبة اياها بعد احتلال الجنويين لها. وكان من يؤم بيروت على هذه المراكب يعجب بما يعرض في اسواقها من حرائر وبضائع متنوعة.

وقد اشتدت في القرن الخامس عشر العلاقات التجارية بين المدن الايطالية والبلاد اللبنانية والسورية من جهة، واحتلت فلورنسا من جهة اخرى مركزا ً هاما ً في سائر انحاء البلاد العثمانية الى جانب البندقية. وكان السلطان العثماني ورجال بلاطه يتذوقون أجواخ فلورنسا وحرائرها وتقبل المراكب التوسكانية على توسكانا وتوجه البضائع منها الى بورصته.

وكانت هذه البضائع تبحر ايضا ً من انقونا الى راغوصه وتنتشر منها الى أدرنه وسلانيك وسائر البلاد البلقانية. ولم تلبث راغوصه ان أصبحت وسطا ً صناعيا ً للحرير بعد ان كانت مركزا ً تجاريا ً.

وأمام الخطر الناجم عن مزاحمة جنوى وفلورنسا وانقونا وراغوصه سعت البندقية سنة 1509 لعقد معاهدة تحالف مع السلطان العثماني. وكي تقضي على مزاحمنة الدويلات الايطالية جدت في اقناع السلطان العثماني بعدم شراء ما لديها لأن المال الذي يدفعه لتلك الدويلات يسمح لها باستعماله للتسلح ضدها بينما كانت هي مستعدة لبيع السلطان نفس المواد بذات الاسعار.

الفصل السادس - علاقة لبنان بتوسكانا وفرنسا.....

Sat Apr 04, 2015 6:23 pm View user's profile Send private message Send e-mail Visit poster's website
Display posts from previous:    
Reply to topic     discoverlebanon.com Forum Index » لبنان ... باللغة العربية
   
Page 1 of 1

 
Jump to: 


 
 
  Panoramic Views | Photos | Ecards | Posters | Map | Directory | Weather | White Pages | Recipes | Lebanon News | Eco Tourism
Phone & Dine | Deals | Hotel Reservation | Events | Movies | Chat |
Wallpapers | Shopping | Forums | TV and Radio | Presentation


Copyright DiscoverLebanon 97 - 2020. All Rights Reserved

Advertise | Terms of use | Credits