Back Home (To the main page)

Souvenirs and books from Lebanon
 

Sections

About us

Contact us

 
 
SearchFAQMemberlistUsergroupsLog in
Summer and life in the village Lebanon 1945 / 1975

 

 
Reply to topic     discoverlebanon.com Forum Index » لبنان ... باللغة العربية
  View previous topic
View next topic
Summer and life in the village Lebanon 1945 / 1975
Author Message
admin
Site Admin


Joined: 09 Mar 2007
Posts: 529
Location: Jbeil Byblos

Post Summer and life in the village Lebanon 1945 / 1975 Reply with quote
الفصل التاسع الاصطياف والحياة في القرية بين الاربعينات 1945م. – 1975م. مقتطف من الزعيترة في تاريخ لبنان المناطقي والتحولات في الريف اللبناني بين 1305 و 2014 للأنطوان يوسف سعادة

الاصطياف والحياة في القرية بين الأربعينات والسبعينات 1945- 1975.
وسائل النقل، المنازل، العواد، الأعمال الريفية المختلفة...
صور ومشاهد من الحياة اليومية في الخمسينات ومطلع الستينات.

1- الاصطياف

1. ماهيته وأسبابه


بعد اكتمال نزوح الأهالي الشباب والقادرين الى المدينة وسكنهم في بيوت صغيرة وغرف ضيقة كانت في بعض الأحيان غير صحية لقلتها وكثرة الطلب عليها ولندرة المال وضيق الأمكانيات بصورة عامة في الأربعينات والخمسينات من القرن المنصرم ، وأيضا ً بسبب انحباس أولاد هؤلاء في هذه الأمكنة طيلة تسعة أشهر للدراسة وتحصيل العلم، وجد أبناء الزعيترة وغيرهم، من أبناء الريف والجبل النازحين الى المدن الساحلية، من المستحسن الصعود صيفا ً الى جبالهم وقراهم، لتمكين أولادهم من اللهو والمرح في الهواء الطلق بعد أشهر من الانضباط وعدم التفسح وأيضا ً لمساعدة ذويهم المسنين في جني المحاصيل وتحضير المؤونة التي هم بأشد الحاجة اليها كسند لاقتصادياتهم المنزلية في تلك الأيام الصعبة، وللابقاء على موطىء قدم عامر لهم في قراهم، تحسبا ً لتقلبات الدهر وهربا ً من حر الساحل الذي لم يعتادوا عليه في جبالهم.

هذا السلوك العفوي، الذي فرضته الظروف والحاجة، أصبح مع التكرار السنوي ظاهرة مهمة يمارسها الجميع نظرا ً لما فيها من حياة فرحة يشعر بحلاوتها الكل بعد أن يلتم شمل القرية باجتماع شيبها وشبابها، فيأخذوا راحتهم بالعيش السعيد بعيدا ً عن ضغط العمل ودوام المدرسة والنوم والنهوض على الساعة . وقد ساعد على انتشار تلك الظاهرة وتعميمها، تحسن وسائل النقل باستمرار ورخصها وتعبيد الطرق تباعا ً، مما سمح لأرباب الأسر الذين لا يستطيعون ترك أعمالهم بأن يؤموا قراهم ويلتحقوا بعائلاتهم، أقله كل خمسة عشر يوما ً مرة، ثم في نهاية كل أسبوع ومع توالي التقدم والسنين يوميا ً، ليعودوا صباح كل يوم الى أعمالهم طيلة فصل الصيف.

هذه الظاهرة الشعبية التي تفرد بها لبنان نظرا ً لظروفه ولجغرافيته بما تحتويه من طبيعة خلابة وتضاريس مميزة وتنوع مناخي ومسافات قصيرة نسبيا ً، حولت جباله وبالأخص تلك القريبة من بيروت الى مدن عامرة في الصيف، جذبت اليها المصطافين الأثرياء والسياح من كافة أنحاء لبنان والوطن العربي، حتى غدا الاصطياف موسما ً مهما ً ودخلا ً سياحيا ً يعول عليه في الاقتصاد القومي.

2. المصطافون

ونظرا ً لكون الزعيترة، التي لا يفصلها عن بيروت أكثر من 35 كلم، بعيدة عن العاصمة، بالنسبة "لعاليه" "بحمدون"، "حمانا"، "بيت مري" "برمانا" "بكفيا"، "عجلتون" و"ريفون"... التي أمها البيروتيون بكثافة للاصطياف، وبسبب خلوها خصوصا ً في ذلك الوقت من البنى التحتية كالماء والكهرباء والطرقات المعبدة، اللازمة لتأهيلها حتى تستقبل الأغراب والسياح صيفا ً، اقتصر الاصطياف في بلدتنا على أبنائها من النازحين الى المدينة وبخاصة النساء والأولاد الذين صعدوا عند ذويهم لتمضية الصيف معهم، أو الذين فتحوا بيوتهم المغلقة، وعزلوها وحضروها لايوائهم خلال الصيف ولاستقبال أزواجهن وأبائهم من الموظفين والعسكريين وأصحاب المهن الحرة في العطل السنوية وفي نهاية كل أسبوع.

3. العوامل التي ساعدت على الاصطياف

ساعد النازحين على الانتقال صيفا ً الى بلداتهم، تحسن وضعهم المعيشي نسبيا ً وحاجتهم الماسة لتأمين مؤنتهم كما مر معنا، وتوفر وسائل النقل أكثر من الأول، ناهيك عن وصول الطرق "الشقاق" الى معظم القرى، بالرغم من أنها بقيت طويلا ً دون تعبيد ولا تزفيت وارتيادها ظل موضوع معاناة و"شحشطة" حتى الخمسينات. كما كان لانتشار ظاهرة "البوسطة"، في هذه الفترة، التي حلت مشكلة الانتقال اليومي بين القرية والمدينة وأمنت التواصل المنتظم والرخيص بينهما، دور كبير في تسهيل الاصطياف واعادة اعمار القرى.

4. وسائل النقل قديما ً وتطورها

كان التنقل قديما ً، خلال حرب سنة 1914م. وبعيدها، يحصل سيرا ً على الأقدام وعلى ظهور الدواب من خيل وجمال وبغال وحمير للقاصرين والمقصرين. أما الأحمال الثقيلة فكانت تنقل على ظهور الدواب. وكان من عادة تلك الأيام أن يوضع الأطفال والأولاد في الخرج عند انتقالهم مع ذويهم الى مكان ما. ولنا في ذلك عدة أمثلة مرت معنا في سياق هذا الكتاب:

... ففي حوالي سنة 1866م. وضع روفايل كنعان نصار زويم أطفاله الثلاثة في الخرج وأخذ زوجته و امه ونزل بهم الى نهر ابراهيم قاصدا ً بيروت ومن هناك انتقل الى سن الفيل حيث استوطن ولم يعد...

وفي سنة 1918م. عادت جدتي من بيروت الى الزعيترة مع والدي ابن التسعة أعوام سيرا ً على الأقدام...

ولما مرض جدي سنة 1941م. وكان البنزين مقطوعا ً وأكثر السيارات متوقفة بسبب الحصار الحليف على بلادنا، أخذني والدي مع أخي الأصغر في السيارة الى نهر ابراهيم، لرؤية جدنا وعيادته. وفي العقيبة وضعنا "خليفة طايع" كلا في خرج على حماره ونقلنا الى الزعيترة عن طريق فناوان. وظل خليفة طوال حياته يذكرني، بعد أن أصبحت شابا ً، بأنه وضعني في يوم من الأيام في خرج حماره.

1- المكارون

أما "مكارية" تلك الأيام، الذين عملوا بين الزعيترة وبيروت منذ بداية القرن المنصرم وحتى أواسط القرن العشرين، متخذين من نقل الأحمال عملا ً لهم، نتذكر منهم على سبيل المثال:

- ناصيف الحصري من العزر، كان لديه بغال.
- يوسف سركيس الحصري من العزر، كان لديه بغال.
- عبد الله طنوس عون من الزعيترة كان لديه بغال.
- يوسف طايع المعروف "بحيقار"، كان لديه حمير.
- ومن بعده ابنه "خليفة" المذكور أعلاه.
- اسكندر فرنسيس عون المعروف باسكندر التين كان لديه حمير.
- كما أن "دابة بو سعدى" التي لازمت بيتهم منذ بداية القرن وحتى التسعينات دخلت التاريخ في البلدة.
- وفي الربعينات أمن ادمون حنا عون على حمار صغير نقل اغراض الركاب بين البوسطة على العين في غباله وضواحي الزعيترة، لقاء ليرتين، أجرة النقلة.

وقبل وصول السيارات، اشتهر من أبناء القرية، حبيب عازار، يوسف عازار وطانيوس ابراهيم طايع ، في قيادة عربات الخيل على خط بيروت - المعاملتين، قبل أن ينتقلوا الى قيادة الاوتوموبيل في أول عهد الانتداب عن يد نعمة الله غانم البون وكيل سياراتChevrolet .

2- السيارات

أما السيارة، فلم تصل الى لبنان الا في العشرينات. وفي الأراضي اللبنانية أخذت أكثر من نصف قرن لتنتشر وتعم البلاد بعد أن راجت كثيرا ً في الغرب في القرن الماضي الذي قيل فيه: Le 20e siècle c'est le siècle de l'automobile

وكان أول شوفير ساق السيارة من الزعيترة، طانيوس موسى ابراهيم زوين حوالي سنة 1919م. ، دفتره العمومي رقمه اثنان وقد عمل ردحا ً من الزمن سائقا ً على بوسطة وهي حافلة لنقل الركاب والبريد بين بيت مري وبسكنتا قبل زواجه وسفره الى أفريقيا سنة 1923 م.

وثاني دفتر سوق كان لانطون حنا عون رقمه ثمانية عشر، وأنطون حنا الذي أثرى من صناعة الأحذية الجاهزة في بيروت قبيل الحرب الكونية الأولى وخلالها، كان لديه في العشرينات ثلاث سيارات فورد ابو دعسة، "دواليب رص تعمل على خط بيروت - زحلة.

وفي الثلاثينات والأربعينات اشتهر في اقتناء السيارات وقيادتها وتأمين المواصلات بين قرى الفتوح وجونيه وبيروت عدا حبيب ويوسف عازار طايع الشوفارية الآتية أسماؤهم:

- موسي عازار طايع، الذي أمن خدمة الأهالي في الزعيترة والفتوح مدة تزيد عن الخمسين سنة. ولن أنسى بعد، تلك البطافة البريدية التي عرضها علي أخد اليونانيين في اثينا سنة 1955م.، عندما علم أنني لبناني، والتي كانت تظهر ساحة الشوفارية على البرج وفي وسطها موسي عازار بقامته المربوعة وطربوشه التراثي بجانب "الشفروليه"... كما لن أنسى الخدمات العديدة التي كان يؤمنها لنا "العم موسى" لاسيما الجرائد خلال ثورة 1958 م.، أيام كنا لا نبارح القرية بينما هو يعمل على خط الزعيترة جونيه.

ومن السائقين على خط الزعيترة في تلك الحقبة نذكر طانيوس ابراهيم طايع على سيارة "الستدي بايكر"، ومن بعده ابنه اسكندر على المرسيدس، وابراهيم خليل عون الذي عمل ردحا ً من الزمن على خط البرج الأشرفية.

ومن المخضرمين في الزعيترة نذكر سلوم طانيوس كامل الذي لا يزال منذ أكثر من نصف قرن يؤمن خدمة الركاب بين الفتوح وبيروت.

ومن جورة بدران أذكر يوسف سالم غانم وغنوته الشهيرة "شامية وجايي من الشام، من الشام جايي الشامية" التي طالما أطربنا بانشادها عندما كان ينقلنا الى بيروت أيام كنا صغارا ً في أواخر الأربعينات. و أذكر من جورة بدران أيضا ً الشوفير جان ضاهر غانم، ومن العذرا جريس نعمة كامل الذي عمل على الخط في الأربعينات. ومن يذكر جريس نعمة يتذكر الأركيلة التي كانت لاتفارقه والمشاحر التي كان لا ينتهي من شقعها، كما أنني لن أنسى شقفة الشومبرير التي أعطاني اياها يوم كنت صبيا ً لأصنع " نقيفة" وألحق بها العصافير. ومن المرادية أذكر حنا ادال عطالله وسيارة "الستايشن" التي نقلتنا مع بيت عمي منصور مرارا ً الى بيروت.

ومن السائقين القدامى نذكر أيضا ً، سركيس أنطون خير الله من غباله والياس الحاقلاني من جونيه اللذين نقلانا مرارا ً من ساحة جونيه الى الزعيترة.

ومن سائقي الستينات وما بعد نذكر:

جرجي وبطرس ونجيب يوسف عازار طايع وجوزف عزيز طايع وجان يوسف حنا عون وجوزف بو سعدى عون وحبيب وجوزف موسي طايع، الذين كانوا يملؤون موقف الفتوح في ساحة الشوفارية في جونيه.

هؤلاء هم رواد قيادة "سيارات الأجرة" الذين تعاقبوا أبا ً عن جد على خدمة منطقة الفتوح، والذين لا ننسى فضلهم في تأمين تواصل الناس بين الريف والمدينة ايام "القلة والتعتير"، الذين كنا نوصي عليهم قبل اسبوع او عشرة ايام لنحصل على موعد لنقلنا من القرية الى بيروت طبعا ً قبل أن تصل الطريق المعبدة الى أمام كل بيت ويصبح لكل شخص من افراد الأسرة البالغين في قريتنا سيارة.

3- البوسطات

أشهر بوسطات الفتوح بين الأربعينات والخمسينات ثلاث:

1- بوسطة انطون البواري من جونيه ساقها: ساسين سالم من جورة بدران وفيليب زوين من يحشوش.
2- بوسطة لانطونيوس الحصري من غباله قادها مداورة ً: راجي عساف من غشريا وانطونيوس الحصري وأولاده.
3- بوسطة لساسين سالم غانم وضعها على الخط سنة 1947م. وساقها ساسين وابنه جوزف لفترة طويلة نسبيا ً.

كانت مواعيد انطلاق هذه البوسطات حوالي الخامسة والنصف صباحا ً من الزعيترة أو المعيصرة مثلا ً وحوالي الثانية والنصف بعد الظهر من كاراج الفتوح عل "الصيفي" في بيروت. وقد بقيت شوفارية الخط العاملين على السيارات الصغيرة تنطلق من الفتوح الى بيروت ومن بيروت عبر جونيه الى الفتوح في كافة الأوقات لخدمة الأهالي وتأمين الخط. وكانت أجور النقل رخيصة في متناول الجميع، ليرة واحدة في البوسطة وليرتين أو ليرتين ونصف في التاكسي.

وعدا نقل الركاب، كان لسيارات وبوسطات تلك الأيام دور آخر، هو أخذ "الزوادة" يوميا ً أو أسبوعيا ً لبعض العاملين في المدينة وضواحيها الشرقية وفي طريق العودة نقل بعض الأغراض لذوي هؤلاء.. لذلك كان أصحاب العلاقة ينتظرون البوسطة على الطريق أو في المحطات الرئيسة. وكان يومها لكل بوسطة معاون يساعد في نزول الركاب وطلوعهم وفي لم اجرة النقل من هؤلاء المسافرين.

4- محطات توقف البوسطات

أما المحطات المشهورة على خط الفتوح فكانت:

- محطة "عين غباله" في وسط غباله،
- محطة "مار ضوميط" في العذرا،
- محطة "تنور الملك" في الزعيترة،
- ومحطة "الجامع" في المعيصرة.

كانت بوسطة ساسين سالم وبوسطة انطونيوس الحصري تتوقفان على العين في غباله. وفي حال وجود ركاب الى العذرا، الزعيترة أو المعيصرة تكملان بهم الى مار ضومط، تنور الملك أو الجامع. ثم تعودان الى جورة بدران أو غباله "لتعاود" صباحا ً لم الركاب من جديد الى بيروت.

أما بوسطة يحشوش فكانت تتوقف في العذرا لتنزل ركاب الزعيترة والمعيصرة قبل أن تكمل طريقها الى يحشوش.

وكانت الطريق السالكة انذاك، طريق المعاملتين - غزير، لأن بقية منافذ الفتوح من زيتون والمعيصرة وبزحل وغشريا كانت شقاق، غير مزفتة لا يتشجع سائقو البوسطات على سلوكها.

5- المعاناة والشحشطة على الطرق

في الأربعينات كانت الطريق من العذرا الى المعيصرة "شقاق" تملؤها الحفر والحجارة وكانت السيارات تستصعب سلوكها نظرا ً لغلاء الكاوتشوك ولندرة الدواليب، فتتوقف على العين في غباله لا نزال الركاب الذين كانوا يكملون طريقهم الى منازلهم سيرا ً على الأقدام، الشيء الذي جعل السفر والتنقل شحشطة على الطرق وعذابا ً...

ولتصوير هذا الواقع المضني في أيام الشقاء تلك، أروي حالة الوالدة، التي كانت توافينا مع اخوتي الصغار من طرابلس مقر اقامتنا شتاء ً الى الزعيترة، حيث تكون جدتي قد سبقتها وأتت بنا بعد انتهاء المدرسة:

كانت أمي تنزل مع ثلاثة أو أربعة أطفال في ساحة جونيه لتأخذ من هناك سيارة أجرة تنقلها الى عين غباله آخر الطريق المزفت. في غباله كانت "تستركي" مكارية من حقل الريس أو حلان لنقل أمتعتها وأطفالها الى الزعيترة.

وعندما كانت تصل الى المنزل ليلا ً، متأبطة صغارها متورمة الأقدام وبحالة يرثى لها من التعب والاعياء، بعد نهار طويل من الشحشطة والعناء على الطرق، كانت تقول:

"خلاص...التوبة"، هذه آخر مرة أطلع فيها الى الصيفية... أقسم بالله العظيم، لن أعيدها بعد اليوم"
ولحسن الحظ، مع مرور الزمن عبدت الطرق وزفتت وأصبحت السيارات تنزلنا أمام مفرق البيت... فتحررت والدتي من قسم عدم الطلعة الى الجبل، ففرح الأولاد واغتبط الجميع لهذا الأمر.

6- البوسطة وأجواؤها المعاشة بين الأربعينات والخمسينات

البوسطة ظاهرة الظواهر في تلك الأيام، هي حافلة الركاب الكبيرة أو الأتوبيس أو الباص كما يسميها البعض، التي استحدثت لنقل الركاب بعد الحرب العالمية الثانية على طرقات لبنان وفي نواحي عديدة من العالم. والكلمة مشتقة من Poste ، أي العربات الكبيرة التي خصصت قديما ً لنقل البريد بين المناطق بالاضافة الى المسافرين.

والبوسطة وسيلة تواصل شعبية حديثة، حلت مشكلة الانتقال من القرية الى بيروت ومن العاصمة الى الضيعة، ومكنت الناس من العمل يوميا ً في بيروت والعودة للسكن والاصطياف في قراهم. في زمن كانت فيه الامكانيات محدودة جدا ً ووسائل النقل شبه معدومة.

ونظرا ً لقلة البوسطات وكثرة المسافرين، كان يتكدس الركاب في داخلها كالسردين بكل طيبة خاطر، بحيث كان يجلس على صف المقاعد بدل الأربعة ركاب خمسة أو ستة أشخاص. ومن لا مكان له في الداخل كان يصعد الى سطحها. وعند الابلاغ عن دورية سير في مكان ما، كان يتم انزال الفائض وما أكثره لأخذ قادومية عبر الأحراجح والحقول والبراري ثم اللحاق بالبوسطة بعد تخطي حاجز الدورية.

كانت بوسطات تلك الأيام تتوقف كالمكارين (المكارية) على الطرق أمام المتاجر والمحلات والأفرن والمحترفات، لتمكين الركاب من شراء حاجياتهم من الخبز والثلج والبطيخ والكاز... أو لأخذ اللوكس من التصليح والجفت وبارودة الصيد من عند القردحجي.

في هذه الحالة كان يستغرق اجتياز المسافة بين بيروت والزعيترة، التي لا تتعدى الخمسة والثلاثين كيلومترا ً، بين ثلاث وأربع ساعات، يقضيها الركاب ب"التنكيت" و"التنمير" و"تركيب مقلة" بعضهم بعضا ً، بحيث كان يمضي الوقت من دون ملل وبمتعة لا تضاهى، لا زلنا نذكرها الى اليوم.

أجواء البوسطة هذه كانت ممتعة ومسلية جدا ً حيث كان الركاب يتسامرون ويتحدثون بعد أن يتعرفوا على بعضهم ويرون الأخبار والقصص ويعلقون على كل الأنباء والأحداث. كان الانتقال بالبوسطة يومذاك وسيلة للتعرف على أبناء المنطقة التي تسير على طرقاتها تلك الحافلة السعيدة الذكر، التي أنعشت الحياة في القرية وأسهمت كثيرا ً في تطورها، بعد أن تركت بصاماتها على تلك الحقبة من تاريخنا.

2- الحياة في الزعيترة في منتصف القرن العشرين

كانت أجواء الزعيترة في منتصف القرن العشرين أجواء ريفية محضة. النشاطات فيها تقليدية فردية تتصف بالبساطة والأعمال الريفية من تربية مواشي ودواجن الى أعمال زراعية ومنزلية متنوعة، يتعاون عليها الرجال والنساء من كبار وصغار . وكان السكن في قريتنا يومها سكنا ً مبعثرا ً، حيث كانت منازل الأهالي وسط ارزاقهم أو "عوادهم".
في هذه "العواد" ، أي في تلك البيوت وحولها، كانت تدب الحياة وتجرى الأعمال وتقوم النشاطات، كما "نغل" النحل في القفير. والى هذه البيوت الريفية جاء المصطافون لتمضية أيام الصيف.

1- المنازل الريفية بنيتها وتجهيزاتها

معظم بيوت تلك الأيام، كانت لا تزال سطوحها ترابا ً وأرضياتها طينا ً، لا مطابخ لها ولا حمامات، وهي بالاجمال، مستطيلات على ستة اعمدة، مبنية بحجر الدبش على طريقة الكلين ومسقوفة بجذوع الشجار. قياسها من الخارج (14 متر طول × 10 أمتار عرض). مقطعة عادة ً من الداخل ثلاثة أقسام بفواصل من ألواح خشبية هي:

1- "القرنة" حيث كان يتم المكوث معظم الأحيان،
2- "القطع" أو بيت المونة الذي كان يحل مكان المطبخ في بعض الأوقات،
3- وقاعة الاستقبال التي كانت تشكل ثلثي مساحة المنزل والتي كانت تتحول عند الضرورة الى منامة، وأيام القز الى مكان لتربية دودة الحرير.

وكان لكل بيت قبو وأحيانا كثيرة قبوان. أحدهما "براني" خارج بناء البيت انما متكىء عليه. و الأخر "جواني" معقود تحت البيت. كانت الأقبية معدة لزرب الماشية ولتخزين الأدوات الزراعية والمنزلية: من معاول وفؤؤس وأطباق للقز وخوابي وأواني نحاسية ومقشاشات زجاجية وحملات قصب وحطب وفحم وخلافه...

وكان لكل بيت فوق القبو الخارجي "سطيحه" لها مقاعد للجلوس وأحواض زهور، يقام عليها ابتداء ً من الربيع "خيمة" من أغصان الأشجار لتمضية السهرات ومعظم أوقات الفراغ. كما كانت تقام تحت ظلال خيمتها الولائم والسهارات العامرة، وتمد على مقاعدها الفرش للنوم أيام الصيف الحارة بحماية الناموسيات وروائح شقف اطباق الزبل المحروق من "عقص السكيت". وعلى هذه السطيحة حضرت الباكالوريا في مطلع الخمسينات، وتحت خيمتها سهرت الليالي في الدرس والتحليل والحفظ مستنيرا بضوء قنديل نمرو 4 ومستمتعا بنقيق الضفادع وانغام الحشرات وضياء القمر الساهر معي.

أما ملحقات كل بيت من الخارج فكانت: "تنور" للخبز و"قن" للدجاج و"بئر ماء" و"صيرة" للماشية و"مواقد" لقدور الطعام و"اجران صفوة " حجرية للغسيل و"بلاطة عالية على حافة" لجلي الصحون.

أما "بيوت الخلاء" أو "المراحيض". فلم يكن لها وجود في هذا النمط من السكن المبعثر القليل السكان والتي كان يستعاض عنها "بدروة" أو "لزقة" أو بجدار جل عال بعيد عن لأنظار، حيث كانت العوامل الطبيعية من شمس وهواء ومطر تتولى ازالة البراز وتخليص البيئة من أثاره الملوثة بطريقة طبيعية ايكولوجية. وان سألتم عن "ورق التمسيح"... فحدت عنه ولا حرج بحيث كان يستعاض عنه بورقة توت أو ببحصة ناعمة من حجارة الجل! لا تستغربوا... هكذا عاشت البسشرية آلاف السنين قبل أن تصل الى ما نسميه اليوم" المدنية".

2- المواد المستعملة في بناء المنازل

المواد المستعملة في عمار تلك البيوت كانت من المواد المتوفرة مجانا ً في الطبيعة المحلية. فالجدران كانت اجمالا ً مبنية من حجر الدبش "المقلوع" من أرضه والمطين من الداخل بطين بلدي مكون من التراب وبعض الحوارة والقش الغليظ والمطلي بطبقة رقيقة من الحوارة او الكلس. "الورقة" الداخلية كانت "ملولقة" غير مستوية وسريعة العطب "تشلق" عند أي خدش أو لكمة. كانت سيدات المنازل تعاني الكثيرلصيانتها وتطيين "الشلقات" واعادة طرشها.

أرضيات هذه البيوت كانت مطينة هي أيضا ً و"مدلوكة" ب "الزلط" ثم "ممروحة" بترابة حمراء مع زنار خفيف حول الجدران. معالجة أرض البيوت بهذه الطريقة البدائية جعلها هشة سريعة التآكل بعد كثرة الدعس عليها، وتتطلب المرح أسبوعيا ً واعادة الدلك والمرح بعد كل مناسبة تستوجب دوس الناس عليها.

لذا كان الاعتناء بهذه المنازل وصيانتها، عدا الطبخ والنفخ وسواها من الواجبات البيتية العديدة، يتطلب جهدا ً كبيرا ً ووقتا ً كثيرا ً من نساء تلك الأيام، اللواتي لم يعرفن الراحة في حياتهن المشغولة دوما ً في حل الأمور اليومية.

وكان "السقف" مكونا ً من "الجسور "الخشبية التي كانت تربط الأعمدة ببعضها البعض ومن "الوصالي" التي كانت تربط الجسورة بالجدران ومن "الخشب" الذي كان يغطي بين "الوصلات".

فالسقف والحالة هذه كان خشبيا ً من جذوع الأشجار المختلفة الأحجام، سوده الدخان المتصاعد على مدى الأيام نمن مواقد التدفئة أيام الشتاء.

أما "السطح"، أو القسم اللخارجي من السقف فكان من التراب المرصوص الذي تعلوه طبقة طينية من الحوارة غير القابلة للتسرب والامتصاص مع "رشة" من البحص الصغير لمنع "القلش" عند "الحدل" .

والسطوح كانت تحدل عند أول "عيانة" وكل ما اشتد المطر، لرص ذرات التراب ومنع "الدلف أي تسرب مياه الأمطار الى الداخل.

كانت بيوت الزعيترة في أواسط القرن العشرين "متشابهة" لا فرق كبيرا ً بينها من حيث الهندسة والتجهيزات والفرش والمقتنيات والوظيفة، وهي بذلك تشكل نموذجا ً للمنزل الريفي في جبل لبنان.

3- أقسام المنزل الرئيسية وتجهيزاتها

1- غرفة الاستقبال ومحتوياتها


كان فرش جناح الاستقبال بسيطا ً متشابها ً عند الغني والفقير، وهو كناية عن "ديوان عربي، مؤلف من مقعد خشبي غليظ الصنع وكبير، بشكل زاوية قائمة، يحتل ناحية واسعة من غرفة الاستقبال عليه أربع "طوطاويات" طويلة مصنوعة من الخيش المحشو تبنا ً أو قشا ً، تعلوها عشرات المسائد من ذات الصنع. كانت تلبس أقمشة مزركشة وعند الميسورين كان يغلف القماش "بوجوه" من الكتان الأبيض المطرز أو المخرم. هذا الديوان كان يتسع لجلوس عدد كبير من الأشخاص.
أمام هذه المقاعد كان يتوزع بعض الكراسي الخشبية، طاولة متوسطة الحجم وعدة طاولات سجائر رفيعة وطويلة تعرف ب "السكملات" . من الجهة المقابلة لهذا المكان، كان يوجد "مصطبة" تعلو عن الأرض حوالي النصف متر مفروشة بسطا ً أو حصرا ً، على أطرافها بعض"الطراريح" والمساند وفي وسطها عدة فرش مطوية على الحائط، كانت تمد وتفرش أيام المرض أو عند استقبال أحد الضيوف أو الأقرباء للمنامة. "الفرش كانت عربية، أي أكياسا ً قليلة السماكة محشوة صوفا ً، مما كانوا يربون من أغنام، دون "قطب" في وسطها أو "مسامير".

بجانب المصطبة في وسط البيت، كان يوجد، اما "خزانة ست البيت" التي جاءت بها ك "دوتة" من بيت أبيها عند زواجها. واما مرآة متوسطة الكبر امامها طاولة عليها قناديل وأباريق وبعض الصور ل "نجوم البيت".

أمام المصطبة من جهة القطع، كنا نشاهد "خزانة الفرش واللحف" او"اليوك" وتحتها خزانة واطئة للصحون والفناجين والشوك وما شابه، اضافة الى كل ذلك، كان ل "ماكنة الخياطة" و"لصندوق الجهاز" موضعين بارزين في منزلنا الريفي.

على الجدران كنا نشاهد "سكيكة" يتدلى منها "قنديل السهرة" و"جفت الدك". صورة العرس لسادة البيت الممهورة بختم المصور ابراهيم الجر، صورة أحد مغتربيهم في أميركا. وملصق لنائب الفتوح رجل المروءة والاخلاص جورج بك زوين.

2. القرنة ووظيفتها

هي "غرفة الجلوس العربية" أو "غرفة القعدة"، التي كنا نمضي فيها معظم أوقاتنا، هي الركن الأكثر حيوية ونشاطا ً في المنزل الريفي. فرشها بسيط، عملي ومريح جدا ً، على الطريقة الشرقية، فيها كنا نأخذ راحتنا وحريتنا ، فيها نأكل، فيها نشرب، فيها نسترخي ، فيها ننام، فيها نسهر أيام الشتاء واليها كنا نأوي صباحا ومساء ً. انها محور نشاطاتنا في البيت القديم.

والقرنة كناية عن زاوية من زوايا البيت، قرنة، أرضها مفروشة حصرا ً وبسطا ً وحولها من الجهات الثلاث، طوطاويات على الأرض ومساند وطراريح، كانت تفرش أرضها شتاء ً بفراء الغنم المدبوغة ويكتفى بالحصر صيفا ً. تفصلها عن المدخل مصيطبة "للقعود" يتوسطها "موقد" لاشعال الفحم او الحطب شتاء ً، استعاض عنه البعض ببابور على الحطب او صوبيا.

كنا "نتخفى" قبل أن نصعد اليها، كما كنا "نتربع" فيها حول صينية الطعام حيث كان يتجمع أفراد العائلة. وبعد الأكل كنا نستلقي على الطوطايات للقيلولة، فنذهب في سبات عميق ولا أروع...

في هذه القرنة كانت تفرش لنا جدتي عند قدومنا اليها من بيروت نحن وأولاد عمي حيث كنا ننام "رأس وذنب" ستة او سبعة فتيان على ثلاث فرش... "رزق الله على تلك الأيام"، أيام البساطة والقناعة والبركة والفرح... من هنا الحنين الى الماضي الى القرية الى التراث، حيث لا يمكننا أن نتصور في حياتنا أياما ً أبسط من تلك وأهنأ منها.

3- القطع أو "بيت المونة" ودوره

هو القسم الثالث من البيت الريفي في الزعيترة. موقعه مقابل للقرنة، حيث كان يفصله عنها ممر نحو جناح الاستقبال. والقطع هو حاجز من ألواح الخشب المصقول، يفصل بيت المؤونة داخل القطع، عن القرنة. ومع الأيام التبس اسم الحاجز على ما وراءه فأصبح االقطع يعني بيت المونة.

كان يتوسط القطع "واجهة" قسمها الأعلى مخصص للكبايات والكؤوس والحاجيات الزجاجية المختلفة. في في وسطها يوجد جاروران وفي أسفلها خزانة بدرفتين.

القطع اذن، هو بيت المؤونة، الذي كان يلعب، في بعض المنازل وفي أحيان كثيرة. لا سيما في الشتاء وبعد اقتناء بوابير الكاز، دور "المطبخ الخفيف"، لأن الطهي والجلي وما شابه كان يشغل خارج البيت في هذا النمط التقليدي من المساكن.

القطع هو المكان الذي تجمع فيه المؤونة وتخزن. من السقف كانت تتدلى "النملية" التي تحفظ الطعام من الحشرات والقطط وحول جدرانه كانت تصطف كوارة القمح وأكياس البرغل وبرميل الطحين والمعجن وفرش الخبز وخوابي الزيت والزيتون والنبيذ والخل و"مقشاشات" العرق ودكاكيج القورمة ومستوعبات الحبوب والكشك و"تيغار" التين المطبوخ ومراطبين المربى وحلقات التوم والبصل التي كانت تتدلى من "السكيكة" اضافة الى "المصراد" والغربال والمنخل معلقة في "قفا" الخزانة بجانب "نباريش" الأركيلة و"صواني القش". كما كانت تحوي خزائن القطع كافة لوازم البيت حيث كنا نشاهد علبة الملح الخشن التي يتوسطها بعض البيض البلدي وأكياس الزعتر وطواحين البهار والبن وابريق الشاي، اضافة الى سياخ الشك وسكاكين الذبح. وبجانبها على الأرض "جاروشة البرغل"و"جرن الكبة" وبنك الجرار والأباريق بالاضافة الى "ميزان القش" والعيارات وقنديل السهرة "وحبل التملاية" وغيرها الشيء الكثير.

كذلك كان يوضع على ظهر الخزائن التفاح والسفرجل والرمان والبطاطا ليحفظ بعيدا ً عن الرطوبة. كما أذكر أن كلين شباك القطع كان مثقوبا ً في وسطه للجلي الاضطراري أيام الثلوج و"العيانات" الكبيرة، حيث كانت تذهب المياه عبر الكلين الى الخارج.

وفي القطع كان يستحم أهل البيت بعد أن صبت أرضه باطونا ً. وقبل الاسمنت كانوا يغتسلون في القبو على بلاطة حجر أو في "لكن" تنك لرفع أقدامهم عن التراب والوحل وذلك" بدلق" المياه الفاترة ب"الكيلة" على أجسادهم.

كما أننا في جدران القطع كنا نعلق ثياب الصيد و"جفت الدك"و"جرز الدبوق"و"قفص السركة"...

هكذا تبقى سيرة القطع وما وراءه ذكريات تراث وتاريخ تقاليد من الصعب محوها من ذاكرتنا.

وبعد تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في نهاية الخمسينات، لدى بعض الأهالي، بدأنا نشهد بعض التحول داخل هذه المساكن، حيث استبدلنا المصطبة بأسرة مفروشة، والدواوين بالكنبايات والصوفات وأخذ قنديل اللوكس السويدي يحل مكان قنديل الكاز نمره 2و3و4 بسبب تأخر وصول الكهرباء الى الزعيترة حتى آب 1964م. ، كما صبت ارضيات البيوت باطونا ً وبعدها أخذوا يصبون السطوح ليتخلصوا من الدلف والحدل ، كما قطعوا المنازل غرفا ً بحجارة الخفان. في هذا الوقت بدأت الحمامات والمراحيض تأخذ طريقها الى تلك البيوت ولو ملحقة بها من الخارج في أغلب الأحيان.
مع هذا التحول الهادىء، انما المتواصل، بدأت العصرنة... وأخذت الحداثة طريقها الينا بحيث لم تتبدل المظاهر فحسب بل السلوكيات المعاشة. تغيرت الحياة في القرية مع هذا التحول، فأخذنا نتخلى شيئا ً فشيئا ً عن نمطنا الريفي بما فيه من شظف عيش، لصالح الرفاهية والمدنية التي هيمنت بكل أوجهها على أجواء بلدتنا مع مطلع القرن الحادي والعشرين والتي سنتوسع في شرحها لاحقا ً.

4- سطوح التراب وحدلها

كانت بيوت الزعيترة قديما ً مبنية بشكل مستطيلات 14م ×10م كما سبق وأسلفنا ومصممة للسكن ولشيل القز. سطوح هذه البيوت كانت بمعظمها ترابا ً. أي أنهم بعد عمار البيت بالدبش على طريقة "الكلين" وايقاف عواميده الستة في الوسط، كانوا يضعون بين جدران جهة العرض والعواميد، "جسورا ً خشبية" ثخينة، هي كتابة عن جذوع أشجار ضخمة نسبيا ً. طول الجسر الواحد حوالي ثلاثة امتار ونصف، يفضل أن يكون من السنديان أو الشربين أو الزنزلخت. عدد الجسور أربعة لكل ثلاثة عواميد، فيكون مجموع ما في البيت الواحد ثمانية جسور. وكانت "الوصالي" تمتد بين جدران الطول والجسور. وهي عوارض خشبية متوازية، كل ثمانين سنتمترا ً تقريبا ً وصلة. والوصالي هي جذوع اشجار رفيعة، تقطع مما يتوفر في الغابة من أشجار مستقيمة صلبة، يبلغ عددها بين 50و60 وصلة. أما الفراغ الحاصل بين الوصلة والأخرى فكان يسد بخشب التوت القاسي والمشقف بطول متر تقريبا ً والمسمى ركسات (جمع ركسة) في منطقة جزين.

بعد سقف البيت "بالقلد" أي بالخشب والوصالي والجسور، كانوا يفلشون كمية من البلان والبرباص وغيرها من الأغصان والأوراق القاسية، لفصل التراب عن "القلد" ولسد المسام والحد خصوصا ً من نزول الأتربة الجافة من السقف داخل البيت أيام الشلوق والجفاف. بعد ذلك تحصل عملية التتريب. التي كانت تتم بتنظيم "عونة" يتداعى اليها أهالي القرية لمساعدة أحدهم لتأمين سقف يأويه، كما كان دارجا ً في تلك الأيام.

بعد الانتهاء من تتريب السطح، الذي يلزمه أيدي عاملة كثيرة لنكش التراب وغربلته وتعبئته ونقله وفلشه، كان يوضع فوق التراب طبقة من الحوارة البيضاء العازلة للماء مع كمية من البحص الناعم لمنع التقليش أثناء الحدل، لتبدأ العملية الأخيرة وهي "تربيق" السطح بالماء وحدله جيدا ً وطويلا ً لرص ذرات التراب على بعضها ومنع مياه الأمطار من التسرب الى الداخل.

الحدل: يحدل السطح جيدا ً بعد أول الأمطار ثم دوريا ً خلال فصل الشتاء لرص التراب ومنع "الدلف". أما ان "لحق ودلف السطح" فكانوا يضعون تحت الدلف أوعية نحاس او تنك وأحيانا ً ثياب عتيقة لالتقاط نقط المياه ومعها من الانسياب داخل البيت وتبليل المفروشات من بسط وفرش وسواها.

والحدل، ظل هما ً كبيرا ً عند أهالينا القرويين، نظرا ً لاضطرارهم القيام به تحت المطر وأثناء العواصف الهوجاء ولخوفهم من الانزلاق عن السطح بسبب الوحل و"التقليش"، كما حصل للكثير من أبناء القرية وعلى رأسهم مختار البلدة فرنسيس بطرس خير الله والد مرون.

أما أصعب حالات الحدل فتلك التي كانت تحصل بعد "جرف الثلج" لأن المياه المتسربة داخل التراب تتجلد فتتمدد. وعند ذوبانها يفقع التراب المرصوص وتتباعد ذراته، "فينزل الدلف مثل برا". وما على المهتمين بشأن بيوتهم الا الاسراع بالحدل... ولكن الأمر ليس سهلا ً، لأن كثرة الوحل الناتجة عن نفش التراب تؤدي الى التقليش، فيقبع الوحل مع المحدلة ويشتحيل دفعها فتتوقف عن الدوران. لذا كانوا يلجأون الى فلش البرباص والتبن والقصرينة وما شابه للحؤؤل دون التقليش ومنع الوحل من التراكم على المحدلة بعد الثلج. كما كانوا يضعون على السطح عادة محدلتين، واخ\حدة تنشط وأخرى تنتظر دورها عند الضرورة، كما كان يوجد على السطح بجانب المحدلة الاضافية منجل مقروم لازالة الوحل عن المحدلة فيما لو التصقت بها الوحول.

وزيادة في الايضاح ولتبيان كيفية تعاطي الناس مع انحباس الأمطار وكثرتها، اليكم رواية الأقدمين في قريتنا عن ثلجات سنة 1911م. وتداعياتها.

في شتاء 1910م. -1911م. انحبست الأمطار حتى نهار الغطاس، عيد اعتماد السيد المسيح في 6 كانون الثاني. في ذلك الوقت كانوا يقومون بعقد قبة جرس كنيسة سيدة الدر، فوقع "الدويك" من أعلى القبة الى الأرض أي من ارتفاع ثمانية أمتار ولم ينكسر! اعتبر أبناء البلدة ذلك، اشارة ربانية فعملوا تساعية صلاة بعد أن زنروا الكنيسة بمناديل رؤوس النساء طالبين من السيدة العذراء التشفع لدى الله لاسقاط الأمطار، مرتلين طلبة يا أم الله يا حنونة... ويوم الغطاس أثناء تبريك الماء التي أتوا بها من عين علق في الحصين، بعد أن جفت كل آبارهم، طافت الدنيا... و"تجلت" سنتها سبع ثلجات.

وبما ان "كل شيء زاد بالمعنى نقض"... كانت المشكلة في "قلط الثلج" عن سطوح والحدل بعده، لأن ذوبان الجليد يؤدي الى دلف لا ينقطع. وعلى الحادل فلش برباص وتبن حتى لا يقبع الوحل مع المحدلة، وهذا عمل شاق يضنيه ويتعبه. وبعد آخر تلجة التي حصلت بين 12 و13 نيسان 1911م.، وما ان انتهى خليل فرنسيس عطالله من حدله للسطح وأخذ "ضبوته" وبدأ يلف سيجارة حتى تساقط الثلج من جديد بينما الشمس كانت شارقة، فصاح قائلا ً:"يحرق ديات بيو الذي قال يا أم الله..."

أما محادل السطوح فكانت تصنع من الحجر الصلب القاسي وأهمها يزن مئة كيلوغرام وما فوق لرص التراب. لذا كانوا يصنعون منها "قيمات بحيث يتجمع أهل البلدة في الساحات العامة وامام الكنائس ويأخذون بتحميس بعضهم لشيل القيمة ومعرفة من هو البطل الذي يستطيع صلب المحدلة اي رفعها الى ما فوق رأسه.

واليوم بعد أن فقدت المحادل وظائفها وتقاعدت، أصبحت تزين ساحات الدور ومداخلها مع أجحران الكبة والصفوة وبعض الجرار والفخاريات.

أما القوس الذي كان يصنع من جذع شربين رفيع وطويل وقاس يشوى ويطوى ويشد في وسطه ليصبح قوسا ً يدخل في المحدلة بواسطة "اجر القوس" لجرها، أصبح ، قبيل توقف الحدل في الستينات، يصنع من شلف حديد 14 ملم له في طرفيه "رجل من خشب التوت القاسي لمنع تآكل المحدلة. وقوس المحدلة الذي كان بأكمله من الحديد في قضاء جزين كان يسمى "ماعوس".
Thu Jun 25, 2015 3:03 pm View user's profile Send private message Send e-mail Visit poster's website
Display posts from previous:    
Reply to topic     discoverlebanon.com Forum Index » لبنان ... باللغة العربية
   
Page 1 of 1

 
Jump to: 


 
 
  Panoramic Views | Photos | Ecards | Posters | Map | Directory | Weather | White Pages | Recipes | Lebanon News | Eco Tourism
Phone & Dine | Deals | Hotel Reservation | Events | Movies | Chat |
Wallpapers | Shopping | Forums | TV and Radio | Presentation


Copyright DiscoverLebanon 97 - 2020. All Rights Reserved

Advertise | Terms of use | Credits